صراعُ تقاريرَ ووقائع
ليسَ من اليسيرِ استدراكُ ما تخرّب في عقدٍ ونيفٍ من السنين، ببضعةِ أشهر أو بقرارٍ أو بدعاءٍ استثنائي، خصوصاً إن كان الأمر متعلقاً ببُنى دولةٍ ذاتِ امتداداتٍ عموديةٍ وأفقية، لأن شرط الزمن لايسامح كثيراً ويفرض نفسه بقسوة أحياناً.. بل غالباً.
الآن يبدو المشهدُ السوريُّ عموماً تحتَ أعينِ الرصدِ القريبةِ والبعيدة، لاسيما لجهة إجراءاتِ إعادةِ البناءِ الشامل.. من خارطة العلاقات الجديدةِ.. إلى البنى الماديةِ في الداخلِ.. مروراً بتفاصيلَ مكثفةٍ تتسابق بحساسيتها كأولويات.
وتبدو وجهاتُ النظرِ بمجملها تقريباً غير حيادية ولا مجردة، بل متنازعة وفق مرجعياتها وأجندات أصحابها، وكان بعضها لافتاً بإصراره على مفردات الشدِّ السلبيّ الكئيب ذاتها التي راجت إبان ذروة تعقيد “الحدث السوري”، و لعل أولّ مايقفزُ إلى ذهنِ من يتابع في هذا السياق، مؤسسات دولية كبرى كالبنك الدولي وصندوق النقد، وهما مؤسستان باتتا متورطتين علناً بتدبيج التقارير الاقتصادية بنبرة سياسية واضحة.
هي تقارير “الوقت المستقطع” إن صحت التسمية، أي في المساحات الفاصلة بين الأزمة بكل أبعادها.. وإنضاج الحلول التي تتطلب وقتاً، لأن ماتخرب استغرق زمناً وإصلاحه يتطلب زمناً موازياً، بطبيعة الأشياء ومسلماتها، مع استثناءات قد تجري في سياق إلحاح حرق المراحل، قد تنجحُ أحياناً لا دوماً.
في مثل هذه المناخات تتزايد حساسية الموقف بشكل كبير، فبين التقارير المفبركة المصنعة خصيصاً لسورية، والمستجدات المبشرة بآفاق جديدة، يمسي التقاطُ الحقائق مسألةً ليست بالسهلة، خصوصاً أننا تحت وطأة ظروفٍ معيشيةٍ قاسيةٍ، من عادتها أن تشوشَ أفق التفاؤل وتشتت اليقين بالقادمات من الأيام.. وهذه طقوسُ ربع الساعة الأخيرة وفق التوصيف المجازي – لكن البليغ – لسيرورة الأزمات، وهي الحيز الزمني الذي تتحدث تجاربُ التاريخ عن محترفي اللعب عليه كورقةٍ أخيرة وفعّالة في الواقع.
عموماً ثمةَ مؤشراتُ أملٍ تتزايد تباعاً على كل قارئ رصين للمشهد السوري أن يجيد التقاطها، ومؤشرات أكثر عمقاً يمكن التنبؤ بها.
نتحدث هنا عن وقائع ظهر بعضها وسيظهر الباقي تباعاً، لن تكفي تقاريرُ المنظماتِ الدولية لحجبها مهما استطالت وتزاحمت.