مستقبل المنتدى الصيني- العربي بين فلسفة كونفوشيوس والعنجهية الأطلسية ؟!
توقفت كثيراً عند كلمة الرئيس الصيني شين جين بينغ في افتتاح منتدى (التعاون الصيني- العربي في بكين) بتاريخ 30/5/2024 بمناسبة الذكرى العشرين/20/ لتأسيس المنتدى حيث قال: “كل مرة ألتقي فيها بأصدقائنا العرب، أشعر بإحساس عميق بالألفة والصداقة بين الشعب الصيني والشعوب العربية تنبع من التبادلات الودية على طول طريق الحرير القديم”، وكلمة (الألفة) تعني الالتئام والمحبة والتعاون لتدبير المعاش، وتذكرت قول الإمام علي كرمّ الله وجهه بأن (القرابة تحتاج لمودة والمودة لا تحتاج لقرابة)،والصين أكبر دولة في العالم وحوالي /1،4/ مليار نسمة بنسبة /25%/ من سكان العالم تقريباً، تستعد حالياً لتكون الاقتصاد الأول عالمياً، وإزاحة أمريكا بعد أن أزاحت الدول السبع الصناعية سابقاً، حققت منذ انطلاقة مشروع الإصلاح الاقتصادي لها سنة /1978/ معدلات تنموية كبيرة معتمدة على تعظيم سلاسل القيم المضافة وتحسين الإنتاجية الصناعية والمردودية الزراعية والخدماتية، خفضت سنة /2023/ معدل التضخم إلى /3%/ وعجز الموازنة إلى أقل من /4%/، مستغلة موروثها الثقافي، فكلمة أزمة تنطق (Ji-Wet) أي تحويل الأزمة إلى فرصة لإطلاق القدرات والطاقات الإبداعية وإيجاد الحلول السديدة لاستغلال الطاقات المتاحة، تفوقت لأنها طبقت حكمة كونفوشيوس /551- 479/ قبل الميلاد، حيث قال: “الرجل المتفوّق يودّ أن يكون بطيئاً في أقواله، وجادّاً في عمله وأن الفضيلة الكاملة، ألا تفعل بغيرك ما لا تحب أن يفعل بك”، وحالياً تطبق الصين اقتصاد السوق الاجتماعي الاشتراكي، وهذا ذكرني بقول نابليون بونابرت منذ أكثر من /200/ سنة: هناك في أقصى الشرق عملاق نائم اتركوه، لأنه عندما يستيقظ سيهتز العالم.
من جهة أخرى فإن فرنسا تسمح لنفسها بإعطاء شهادات في حقوق الإنسان والديمقراطية والتسامح، وغيرها، وهي لديها متحف التاريخ الطبيعي، منذ سنة /1937/ بالقرب من برج (إيفل)، ويضم: 18 ألف جمجمة للثوار المسلمين والعرب حيث قطَعت رؤوسهم ووضعوها على أبواب قصورهم ومنها قصر نابليون الثالث، المبني من نهب اقتصاد المستعمرات الفرنسية ومنها الجزائر المحتلة لأكثر من/132/ سنة من قبل فرنسا (جمجمة الشيخ بوزيان)، القائد الجزائري الذي تولى قيادة ثوار الجزائر بعد القائد عبد القادر الجزائري، الذي يرقد حالياً بين أهله في سورية، وجمجمة المناضل السوري سليمان الحلبي، الذي قتل كليبر، قائد الحملة الفرنسية بعد هروب نابليون من مصر وغيره من المناضلين العالميين الكبار.
إن هذا قمة العنصرية الأطلسية الفرنسية، فهل تتجسد قرارات المنتدى على أرض الواقع ومواجهة قوى الطغيان العالمي واستباحة حقوق الإنسان.
السيد الرئيس بشار الأسد، قال خلال زيارته للصين سنة /2023/: “الصين تتحدث عن مبدأ وليس عن الهيمنة”. وسورية انضمت رسمياً إلى مبادرة (الحزام والطريق)، في شهر كانون الثاني سنة /2022/ لتصبح دولة شريكة في المبادرة، وهذا سيسهم في تفعيل العلاقة، فسورية لها موقع جيوسياسي وهي صلة وصل بين قارات العالم القديمة، فهل ينفتح العرب على الاقتصاد الصيني، وخاصة أن نتائج المنتدى تخدم القضايا العربية، حيث أعلنت الصين عن موقفها بضرورة توقيف العدوان على فلسطين وتقديم المساعدات وترسيخ الأمن والشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة وإقامة نظام عالمي عادل، ورفض التدخل الأجنبي في شؤون الدول كما في سورية وغيرها، والاعتراف بدولة فلسطين، حيث وافقت 148 من 196 دولة أي بنسبة /76%/ من دول العالم، لكن استخدام أمريكا الفيتو للاعتراض أعاق اتخاذ القرار ، فهل أمريكا تحترم الإرادة الدولية أم إن ادعاءاتها كاذبة ككذب فرنسا ‘الماكرونية’؟.
اقتصادياً دعا المنتدى إلى تطوير علاقات دول (الجنوب – الجنوب)، وتفعيل طريق الحرير، الحزام والطريق، والعلاقات المؤسسية، وتعزيز التعاون الفني واعتماد الحوكمة ونقل وتوطين التكنولوجيا ومكافحة التغير المناخي والبيئي، وضمان الأمن المائي والطاقوي وعدم انتشار السلاح النووي والتعاون الثقافي التربوي وتفعيل الذكاء الصناعي وترسيخ الاستثمارات على مبدأ رابح- رابح .. إلخ،
يساعد في هذا أن كل الدول العربية /22/ دولة، تقيم شراكة استراتيجية مع الصين، حيث تجاوزت الاستثمارات الصينية في المنطقة العربية /250/ مليار دولار، وزاد حجم التبادل التجاري عن /500/ مليار دولار لغاية سنة /2023/ ، كما تتوجه الصين لتطوير علاقاتها مع العرب وفقاً لمبادرة الرئيس الصيني سنة /2014/، وهي (رابطة المصير المشترك بين الصين والدول العربية)، ومن خلال تحليلنا لجوهرها وجدنا أنها النقيض الكلي للفلسفة المعتمدة على ( صراع الحضارات) للأمريكي (صامويل هنتنجتون) سنة /1993/، وهي مطورة لنظرية تلميذه فرانسيس فوكوياما (نهاية التاريخ والإنسان الأخير)، وتؤكد الدراستان العنصريتان على تفوق دول الطغمة المالية، كما أكد الرئيس الصيني بأن بلاده ستستضيف
القمة العربية الصينية الثانية سنة /2026/ والقمة الأولى عقدت سنة /2022/ في السعودية، ويمكن للعرب جميعاً الاستفادة من المعادلات الخمس /5/ التي حددتها القيادة الصينية في المنتدى وهي: تشجيع الابتكار – تفعيل التعاون الاستثماري والمالي والمصرفي- التعاون الاقتصادي والتجاري السلعي والالكتروني- التعاون في مجال الطاقة- التعاون الثقافي والشعبي، كما تم إقرار دعوة /200/ باحث عربي سنوياً من الأحزاب السياسية العربية والتبرع بمبلغ /3/ ملايين دولار لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) مع / 500 / مليون يوان للمساعدة في إعادة الإعمار، وتنفيذ مشاريع تعاون تنموية بقيمة إجمالية تصل إلى/ 3/ مليارات يوان (نحو 414 مليون دولار)، ودعم مشاريع الطاقة المتجددة في الدول العربية بقدرة إجمالية مركبة تتجاوز / 3 / ملايين كيلو واط.. إلخ، فهل تتوجه الدول العربية نحو الشرق وتتجاوز تداعيات (سايكس بيكو ووعد بلفور ) وتداعيات الربيع الصهيوني؟!.