التشكيل السوري.. أشجار عالية وأحواض ضيقة!

زيد قطريب:
الموضوع ليس متصلاً بوسوسة الهويات، لكن تلاشي الخصوصية أصبح مأزقاً جمالياً يلاحق الخيال الإبداعي.
تاريخياً، رسم السوريون أول لوحة على بوابة عشتار، لكنهم في العصر الحديث، لم يتجاوزوا دافنشي وأنجلو وبيكاسو ودالي وفان كوخ!. كأن ضياع الموناليزا السورية له علاقة مع أسطورة “اختطاف أوروبا” التي أهدت الغرب اسمه وعلومه، لكن هذا الأخير تورط بالجحود والحسابات الاستعمارية عندما حارب الخيال حتى لا تولد أوروبا ثانية أو عشتار جديدة.
التشكيل السوري اليوم، غارق في التقليد وفقدان الخصوصية، إلا ما ندر من تجارب تضيء هنا وهناك. وكلما تحدثنا عن المحلية هرع البعض إلى ربطها بالشوفينية، مع أن المنطق الجمالي والنقدي يفرض البحث عن الأنا في الموسيقا والرسم والشعر وجميع أنواع الفنون.
لا يعرف أحد ماذا نستفيد إذا استمعنا إلى موسيقيين يعيدون تأليف الموسيقا الألمانية؟ ورسامين يستخدمون الجعبة الإيطالية في التلوين والخط؟ وشعراء يكتبون قصائد كأنها ترجمت عن الإنكليزية ويصفونها بالشعر؟. وإذا الأمر كذلك، فمن المنطقي أن نذهب إلى النسخ الأصلية من تلك الفنون لنُغرم بها، عوضاً عن المدائح المجانية التي تُكال للوحات التقليد بعامل الجهل في تاريخ الفنون!
في مرحلة ما، أغرم الغرب بالحروفية العربية ورأى فيها شيئاً من الخصوصية المميزة، وسرعان ما انبرى معظمهم إلى زرع الحروف العربية في اللوحات حتى لو كانت نافرة بلا جماليات تذكر.
وكانت المفارقة في ذلك أن المديح النقدي للتجربة الحروفية أدت إلى تحويلها إلى موضة بهدف التسويق وبيع اللوحات في الخارج، ولم تكن دافعاً للبحث عن فرادات جديدة تزخر بها المخيلة السورية والعربية.
أشجار التشكيل السوري باسقة فعلاً، لكنها مزروعة في أحواض ضيقة، ونحن هنا نتحدث عن ظاهرة ولا نقع في مطب التعميم القتّال الذي يخفف من شأن التجارب المتميزة على ندرتها. فالملاحظ غالباً أن الاشتغال يتركز على التقنيات وليس على تجديد الأفكار، وإذا كان البعض يقول إن الإبداع يتركز في طريقة التعبير، فإن الواقع يؤكد أن المشكلة في الأفكار التي تنتج الأساليب، فالفنون تعاني من كلاسيكية الأفكار وشحّ الخزان الذي تغتذي منه اليد عندما تمسك الفرشاة وتنهال على الألوان وتخترع الأساليب.
المعادلة العقلية تؤكد أن الذهن التقليدي ينتج فناً تقليدياً، فهذا يتماشى مع المنطق أكثر، وبالتالي فإن من يحلم بانعطاف الأساليب بمعزل عن عمق الأفكار، كأنه يراهن على حمار سانشو متغافلاً عن رمزية دونكيشوت في محاربة الطواحين!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار