ضمانات أميركية للكيان وليس لحماية الاتفاق.. «وقف النار» في أول أيامه لا يخرج من دائرة الترقب والتوجس.. والضغوط ستتركز على لبنان

تشرين- مها سلطان:‏
‏.. أما وقد دخل الاتفاق حيز التنفيذ، فإن هذا لا يعني إمكانية تنفس طويل للصعداء، ‏بل إن حبس الأنفاس سيبقى مسيطراً في ظل سيل من الأسئلة التي ستبقى معلقة ‏انتظاراً لترجمة الاتفاق على الأرض، وفي ظل التشكيك وعدم الثقة بالكيان الإسرائيلي ‏ونياته المبيتة.. يُضاف إلى ذلك أن فترة الـ60 يوماً ستكون انتقالية بين إدارتين ‏أميركيتين متنافرتين بحدّة بشأن كل القضايا الدولية، وفي المقدمة منها الشرق ‏الأوسط، وإذا ما كان الكيان يرى في إدارة دونالد ترامب القادمة إدارة إسرائيلية ‏بالكامل فإن اتفاق وقف إطلاق النار له ما بعده مع إدارة ترامب.. ليس بالضرورة ‏عودة إلى ميدان الحرب، بل في البناء على هذا الاتفاق باتجاه تطورات دراماتيكية ‏تشمل كل المنطقة، خصوصاً ما يسميها بنيامين نتنياهو، متزعم حكومة الكيان، ‏بالجبهات السبع، وعلى رأسها إيران.‏

الهدف الأميركي في المرحلة الحالية هو إراحة الكيان وجيشه المستنزف لكن الترقب ‏يبقى مسيطراً بخصوص «الضمانات الأميركية»‏

ورغم أن هناك شبه إجماع بين المحللين والمراقبين على أن ترامب سيعمل على تبريد ‏كل «الجبهات» للتفرغ لجبهة الصين، ولكن في السياسات الأميركية على اختلاف ‏الإدارات فإن للكيان الإسرائيلي استثناء في كل شيء، وفي المرحلة المقبلة لا بد ‏أن تكون إراحة الكيان بالكامل هدفاً أميركياً رئيسياً في كل المنطقة، ومن هنا حبس ‏الأنفاس والترقب.. هذا في حال لم يسقط الاتفاق في واحدة من الذرائع الإسرائيلية ‌‏«الجاهزة» والتي يرى الكيان أنها متضمنة في البنود، بعد أن يتحقق هدف «إراحة ‏الجيش» وتهدئة الداخل الإسرائيلي، والتفرغ لقطاع غزة، وفق المراقبين الذين ‏يشرحون أسباب الموافقة الإسرائيلية على وقف إطلاق النار قبل تحقيق «الأهداف ‏الرئيسية» التي أعلنها الكيان.‏

‏تباينات/ فرص ومآلات
وبغض النظر عن التباينات الكبيرة التي تتناول الاتفاق، وفرصه ومآلاته في المرحلة ‏المقبلة، فإن هذه التباينات لا تلغي مسألة أن الكيان وجد نفسه مجبراً على الرضوخ ‏لوقف النار، وهذا باعتراف الكيان نفسه ووسائل إعلامه على اختلافها، التي ما ‏زالت حتى كتابة هذه الصدور تجتمع على مسألة أن لا نصر تحقق للكيان الإسرائيلي ‏رغم كل ما أوقعه من دمار في الجنوب اللبناني وفي الضاحية الجنوبية، وصولاً إلى ‏وسط بيروت، والمعابر الحدودية.. ورغم كل محاولات حكومة نتنياهو لتجميل ‏الهزيمة والتراجع أمام المقاومة اللبنانية/حزب الله/ على اعتبار أنها كانت تعلن على ‏الدوام أن هدفها القضاء على حزب الله بصورة نهائية ونزع سلاحه ومنع تسلحه، لكنه ‏هدف لم يتحقق، ولم تجد حكومة نتنياهو بداً من الرضوخ خصوصاً بعد ليلة الـ500 ‏صاروخ، ليلة الأحد الماضي، التي كانت رداً حاسماً وقاصماً بأنه لا يمكن إنهاء حزب ‏الله ولا نزع أسلحته، وأن إعلان الكيان عن القضاء على ثلثي ترسانته الصاروخية ‏كان محض وهم.‏
وكانت القناة الـ13 الإسرائيلية نشرت اليوم استطلاعاً للرأي أظهر أن أغلبية ‏الإسرائيليين يرون أن حزب الله لم يهزم، حيث قال 60.8% إن إسرائيل لم تحقق ‏النصر، بينما يعتقد 25.8% فقط أن الكيان انتصر، و13.4% غير متأكدين، كما أيد ‌‏44% إنهاء الحرب في لبنان فيما 37% عارضوا الاتفاق. ‏

أغلب المستوطنين يرون أن حزب الله لم يهزم وأن الحرب على قطاع غزة يجب أن ‏تتوقف وأن نتنياهو وجد نفسه مجبراً على الرضوخ

وبشأن جبهة غزة، أظهر الاستطلاع أن 65.7% يعتقدون أنه يجب إنهاء الحرب ‏والسعي إلى صفقة تعيد المحتجزين، بينما قال 67.4% إنهم يؤيدون إنشاء لجنة ‏تحقيق في فشل 7 تشرين الأول 2023 /عملية طوفان الأقصى/ التي كبدت الكيان ‏خسائر كبيرة.‏
بدورها تقول صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية في تفسير الموافقة على ‏الاتفاق: بالتأكيد أن الهدف كان إراحة الجيش الإسرائيلي المستنزف في غزة بعد 14 ‏شهراً من الحرب، عدا أن الأزمة الكبيرة داخل صفوفه والتي تهدد نتنياهو الداعي ‏لاستمرار الحرب، لكن مع نفاد القوة البشرية والسلاح، وجد نفسه مجبراً على ‏الرضوخ، حسب «يديعوت أحرونوت».‏

‏ استنفاد الضغوط
بالمحصلة، وبغض النظر عما يُقال وسيُقال، فإن إقرار الاتفاق ما هو إلا بداية، فيما ‏الأيام المقبلة سيكون التركيز فيها كبيراً جداً على كل خطوة، وعلى كل تصريح وتسريب، ‏بل حتى على كل همسة، فيما يرى مراقبون أن ثبات الاتفاق وضمان تنفيذه سيحتاجان ‏إلى ضغوط كبيرة وعلى كل الأطراف، وبصورة مستمرة، ويعتبرون أن «الاتفاقات ‏الكبيرة تحتاج إلى ضغوط كبيرة»، لكنهم بالمقابل يرون أن الضغوط استنفدت بالكامل ‏وصولاً إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وبالتالي لم يعد أي طرف/إقليمي أو دولي/ يملك ‏القدرة على ممارسة هذه الضغوط، أقله خلال ما تبقى من أيام إدارة بايدن.. أما مع ‏إدارة ترامب فسيكون للضغوط حديث آخر، وهذا أمر شبه متفق عليه بين المراقبين ‏والمحللين.‏

الاتفاق استنفد كامل الضغوط الإقليمية والدولية أقله خلال ما تبقى من أيام إدارة ‏بايدن.. أما مع ترامب فسيكون للضغوط حديث آخر

تفاقاً لتحقيق السلام يضمن عدم عودة الحرب في أي لحظة، هذا ‏عدا العديد من الأسئلة التي لا تزال من دون أجوبة، خصوصاً ما يتعلق بالجيش ‏اللبناني ودوره، وما يخص عملية الانسحاب الإسرائيلي، لا سيما مما يسمى بلدات ‏الحافة الحدودية مباشرة مع الكيان.. هذا عدا تصريحات نتنياهو أمس، عند ‏إعلان الموافقة على الاتفاق، والتي يُفهم منها أنه لا يعتبر الحرب انتهت، لأن «كل ‏الأهداف» لم تتحقق.‏
المخاوف والترقب الحذر لم يقللا من عملية الترحيب الدولية الواسعة بإقرار الاتفاق، ‏ولا عمليات العودة الفورية للنازحين اللبنانيين الذين هجرتهم الغارات الوحشية ‏الإسرائيلية.. مرد ذلك ربما ما نشره الإعلام حول «ورقة ضمانات أميركية» للكيان، ‏والتي من ضمنها استعداد واشنطن للتغطية على أي انتهاك إسرائيلي، وتمرير الذرائع ‏الإسرائيلية في سبيل ذلك، وهذا حسب المراقبين يجعل اتفاق وقف إطلاق النار هشاً ‏وخاضعاً للأجندة الإسرائيلية.‏
وكان وقف إطلاق النار قد دخل حيز التنفيذ الساعة الرابعة من فجر اليوم الأربعاء، وفي ‏إعلان بايدن عن الاتفاق قال إنه خلال الأيام المقبلة سيتم الدفع باتجاه وقف إطلاق نار ‏في قطاع غزة.‏

‏جبهة غزة
يأتي هذا فيما كان الكيان الإسرائيلي يرتكب مجازر جديدة، حيث قصف الطيران ‏الإسرائيلي نازحين في مدرسة التابعين في شارع النفق في مدينة غزة، ما أدى إلى ‏استشهاد 8 فلسطينيين بينهم أطفال.‏
كما سقط سبع شهداء على الأقل، بينهم أطفال أيضاً، و20 جريجاً بقصف إسرائيلي ‏استهدف منزلاً خلف مدرسة «شهداء الزيتون» في حي الزيتون، جنوب شرق غزة.
وفي شمال القطاع، قصفت الطائرات الإسرائيلية برجاً سكنياً في محيط مستشفى كمال ‏عدوان، كما نسفت القوات الإسرائيلية منازل سكنية في مخيم جباليا، وشنت الطائرات ‏الإسرائيلية أحزمة نارية بالتزامن مع قصف مدفعي على شمال غزة.‏
وتركز قصف المدفعية الإسرائيلية العنيف صباح اليوم الأربعاء بجوار مراكز الإيواء في بيت ‏لاهيا وفي مشروع بيت لاهيا ومحيط مستشفى كمال عدوان.‏
وفي وسط القطاع، أطلقت الآليات العسكرية الإسرائيلية النار شمال وغرب مخيم ‏النصيرات وفي مدينة الأسرى، وشهد شمال المنطقة الوسطى عمليات نسف ضخمة ‏للمباني.‏
واستهدف قصف إسرائيلي مدرسة الجاعوني التابعة لوكالة «أونروا» في مخيم ‏النصيرات، ودمر مسجد «القسام» في المخيم.‏
وفي جنوب القطاع، قصفت المدفعية الإسرائيلية من شرق مدينة خان يونس مستهدفة ‏مدينة رفح وكثفت المدفعية قصفها على شرق المدينة وغربها.‏
في حين دوت صفارات الإنذار فجر اليوم في بلدة صوفا بغلاف قطاع غزة.‏
وتواصل القوات الإسرائيلية عدوانها على قطاع غزة براً وبحراً وجواً منذ 14 شهراً، ‏بمعدل ضحايا مفتوح وصل إلى حوالى 45 ألفاً، وعدد جرحى تجاوز 100 ألف، ‏وفق آخر حصيلة أصدرتها وزارة الصحة الفلسطينية في القطاع.‏

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار