اختلاف مزاج

حين غنت “فيروز” “ولي فؤادٌ” و”أحب من الأسماء ما شابه اسمها” وسمعتها في فترة دوامي الإذاعي الذي يتوجب فيه ذكرُ اسم المؤلف والملحّن مع الأغنية، استوقفني اسم “محمد محسن”! هو بذاته ملحن “مظلومة يا ناس” “سعاد محمد”؟ هو ملحن “أبحث عن سمراء” “محرم فؤاد”؟ نعم هو أيضاً ملحن “سيد الهوى قمري” الفيروزية، لكن كيف بوسعي أن أجمع عنه معلومات (كان ذلك نهايات القرن الماضي حيث لا وجود لمحرك غوغل لتناول المعلومات بسهولة)؟ جمع المعلومات كان ممكناً عبر مراجعة الصحف والمجلات والكتب والأصدقاء النوعيين، وقد علمت أن هذا الموسيقار يقيم في دمشق، أما الحصول على هاتفه فيحتاج بدوره إلى شغل إزميلٍ في كتلة صخر، وفيما بعد يأتي القبول أو الرفض لسبب من الأسباب!
في بيت الأستاذ “محمد محسن” المكسو بالمرايا العملاقة، المشرف على “أوتوستراد المزة” ستسأل السيدة زوجته: “أبا رياض” كم من الوقت تحتاجان لتحضير اللقاء لأعرف متى أعدُّ القهوة؟ فأعرف منه على الفور أن اسم بكره كان تيمُّناً برياض السنباطي، قبل دخول غرفة تحوي أجهزة تسجيل ونسخ دقيقة (تطورت هذه الأجهزة خلال سنوات قليلة بما يفوق الخيال) بالإضافة إلى مكتبة هائلة من الأشرطة الغنائية والموسيقية، وبصوته الرخيم يقول لي إنه بدأ حياته مطرباً في إذاعة دمشق عند افتتاحها عام 1947 وعمره خمس وعشرون سنة قبل أن ينصرف إلى التلحين ويقيم في مصر حتى عام 1963 ثم ينهي إقامته في بيروت حين نشوب الحرب الأهلية فيها ويعود للاستقرار في دمشق!
حين كنا نواصل التسجيل تملكتني دهشة من أنه كان ملحناً لعشرات الأصوات العربية القوية التي كانت تصدح من كل الإذاعات ولم أجد حرجاً في وصفه: صائغ المجوهرات الحاذق، وإذ أغلقت جهاز التسجيل مازحته وزوجتَه بأنني كنت طوال الوقت أستبعد القلق من استبداد المرايا التي تغطي الجدران!
بالتزامن مع إذاعة اللقاء، كنا في أول اجتماع مع مدير برامج جديد يتعرف فيه إلينا ويعطينا توجيهاته، فإذ به ينتقد اللغة الإذاعية التي نستخدمها مع الضيوف فنبالغ في وصفهم ونعطيهم ما لا يستحقون، كأن نصف أحدهم بأنه صائغ جواهر، وهذا من المبالغات غير المستحبة وتدليس على المستمع! ولم يسعفني أي رد، لأنه لم يكن مطلوباً مني أصلاً، حتى أنه لم يعتبر رأيه اختلاف مزاج، بل توجيهاً علينا الالتزام به لكن هذا التوجيه استعصى عليّ في اللقاء الذي تلاه مع الأديب “بديع حقي”!.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار