خبراء يقترحون تمويلاً جماعياً لمشروعات ” الإنقاذ الاقتصادي والاجتماعي” ..التعاونيات والمنصات الإلكترونية أدوات فعالة

تشرين- باسم المحمد:

تبقى مشكلة التمويل من أهم معوقات تنفيذ المشروعات بمختلف تصنيفاتها وقطاعات عملها، إلا أنها تعتبر الأعقد بالنسبة للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، لما تتسم به من مخاطر مرتفعة، وقلة إمكانيات مؤسسيها، ممن لديهم أفكار ريادية، وإرادة في تطوير واقعهم المعيشي..
محلياً وبعد سنوات طويلة من الحرب وانخفاض المستوى المعيشي، أيقن الشباب السوري أن تأمين احتياجاتهم لن يتم عبر الوظيفة براتب ثابت سواء في القطاع الحكومي، أم الخاص، لذلك بدؤوا في البحث عن أفكار مبدعة، نجح قسم في تحقيقها، وانتقلوا إلى مستويات أعلى في تصنيف مشروعاتهم، فيما أحبط الأغلبية، لأسباب عديدة، أبرزها تأمين مصادر التمويل.

هياكل غير مصرفة
يقدم الدكتور سليمان موصلي الأستاذ المساعد في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، جملة من المقترحات التمويلية للمشروعات متناهية الصغر السورية، مبيناً أن أهمها توفير منصات التمويل الجماعي المدارة من الجمعيات والصناديق الاجتماعية، والمدارة من غرف الزراعة والتجارة والصناعة والسياح، وصندوق للتنمية، إضافة إلى توفير سوق رقمية للمشاريع متناهية الصغر، وإطلاق سندات الابتكار لدعم المشاريع الناشئة.
وبرأي موصلي فإنه من الواجب إحداث هياكل تمويلية غير مصرفية جديدة تحفز نمو هذه الشركات وتدعمها للعب دور مهم في النمو الاقتصادي في الاقتصاديات الرقمية والتقليدية على حد سواء، ومن أهم هذه الهياكل: شركات وصناديق استثمار جريء توظف أموالها بدورها في شركات ناشئة قابلة للنمو وحاضنات ومسرعات أعمال، وشركة حكومية أو مشتركة للاستثمار الجريء (المخاطر)، تستثمر في صناديق استثمار جريء (ملكية ودين)، لافتاً إلى أنه يمكن تمويل هذه الشركة عبر مساهمات سنوية إلزامية من قبل المصارف بنفس طريقة تمويل معهد التدريب المصرفي، ومن هذه الهياكل أيضاً منصات تمويل جماعي (ملكية ودين) تتبع التمويل التقليدي والإسلامي وتدار من قبل المصارف التقليدية والإسلامية ومصارف التمويل الأصغر وشركات الوساطة المالية، ويمكن إحداث سوق فرعية للشركات الواعدة تتبع سوق دمشق للأوراق المالية بحيث تودع ملكيات المستثمرين عبر منصات التمويل الجماعي في مركز المقاصة والحفظ المركزي ويتم تداول الحصص في هذه السوق، إضافة إلى عقد شراكات تمويلية بين حواضن الأعمال ومنصات التمويل الجماعي وشركات الاستثمار الجريء بحيث يتم تمويل المشاريع المحتضنة ويسهل تحولها وتطورها إلى شركات متوسطة ثم كبيرة.

موصلي: من الواجب إحداث هياكل تمويلية غير مصرفية جديدة تحفز نمو هذه الشركات للعب دور مهم في النمو الاقتصادي في الاقتصاديات الرقمية والتقليدية على حد سواء

التمويل الجماعي
ويتحدث موصلي عن التّمويل الجّماعي الذي يقوم على تمويل فكرة أو شخص أو مشروع أو فرصة، من خلال جمع مبالغ صغيرة من المال من أكبر عدد من المستثمرين من خلال منصّات مرخّصة عبر الإنترنت، موضحاً أن مِنصّات التَّمويل الجماعي تعد أحد أهم بدائل التَّمويل التقليدي من البنوك والمؤسسات مالية، بسبب سهولة الوصول إليه من قبل الفئات المهمشة وأصحاب الدخل المحدود، حيث تسمح لهم مِنصّات التَّمويل الجماعي باستثمار مدخراتهم الصَّغيرة والمتناثرة وتجميعها بهدف تمويل شركة ناشئة أو استثمار جديد.
كما إن هذا التَّمويل لا يتطلب ضمانات معقدة وخاصة للأشخاص الذين لا يستطيعون الحصول على قروض من مصادر تمويل تقليدية، يضاف إلى ما سبق انخفاض معدل الفائدة مقارنةً بالمصارف لغياب تكاليف الوساطة، كما إنها تؤدي إلى تعزيز الشفافية بسبب اعتماد مِنصّات التَّمويل الجماعي على التِقنيّات الرقمية .
مضيفاً أنه يمكن الاعتماد على رأس المال المخاطر، وهنا يقدّم المستثمرون ذوو الملاءة الماليّة والخبرة في إدارة المشروع النّاشئ التّمويل اللّازم لأصحاب فكرة المشروع الواعد مقابل أسهم في هذا المشروع بقيمة التّمويل أو على شكل قرض أو قرض قابل للتحويل إلى أسهم، و يأخذ رأس المال المخاطر شكل شركة تتأسس بغرض الاستثمار في مشاريع واعدة، أو صندوق استثمار تخصص حصيلة الاكتتاب به لغرض الاستثمار في مشاريع واعدة.

الجمعيات التعاونية
من جهته يقترح الممثل المقيم لشبكة الآغا خان للتنمية في سورية، المهندس غطفان عجوب، الاعتماد على الجمعيات التعاونية، وهي موجودة في سورية منذ العام 1950، مبيناً أن الجمعية التعاونية هي منظومة أعمال، تُنشئها وتملكها وتديرها مجموعة من الأفراد بشكل طوعي وشفاف، تهدف الى تجميع جهود وطاقات وممتلكات المتعاونين الصغيرة والمبعثرة، وحشدها وتوظيفها على نحو يعظم الانتفاع بها، ويزيد من قدراتهم كمنتجين، ويطور منتجاتهم المختلفة، بشكل يرتقي بالنوعية ويضمن الاستمرار، وهذا بالطبع يؤدي الى زيادة أرباحهم الشخصية، ويضمن ديمومة الجمعية التعاونية وتطويرها.

التعاونيات الزراعية
وحسب عجوب فإن أهمية الجمعيات التعاونية، وخاصة الزراعية الآن، تنبع مما يعانيه القطاع الزراعي، بشكل أساسي من مجموعة عوامل ضاغطة ومعطلة، مثل تفتت الحيازات الزراعية بشكل عام، بسبب الإرث وغيره من العوامل، ونقص الخبرة الفنية الزراعية لدى أغلب المزارعين، ونقص الخبرة والإمكانيات التسويقية، ونقص الموارد المالية.
ويضيف عجوب: مع المحافظة على جمعيات الاتحاد العام للفلاحين والعمل على تطويرها باتجاه تحويلها الى جمعيات تعاونية إنتاجية وفقاً للقانون 21 لعام 1974، يمكن أن يتفق عدد من هؤلاء المزارعين لصنف معين من المحاصيل على تأسيس تعاونية، حيث يكون دورها إرشاد أعضائها من المزارعين الى القواعد العلمية لإنتاج منتج زراعي ذي نوعية مطابقة للمواصفات القياسية، وتوحيد قواعد التحضير المطلوبة للتسويق في السوق المحلية أولاً ثم الأسواق الخارجية، وتقوم إدارة الجمعية المنتخبة بالتنسيق مع أعضائها في رسم سياساتها الإنتاجية والتسويقية.

عجوب: أهمية الجمعيات التعاونية الزراعية الآن تنبع مما يعانيه القطاع الزراعي من مجموعة عوامل ضاغطة ومعطلة

بالأرقام
وهنا يشير عجوب إلى أهم الأرقام والإحصائيات حول التعاونيات، إذ إن 40 % من الإنتاج الزراعي البرازيلي تنتجه التعاونيات، و80 %من إنتاج الألبان في أمريكا تنتجه التعاونيات، وفي العام 2008 كان إنتاج أفضل 300 تعاونية في العالم، مسؤولة عن إنتاج 1.1 تريليون دولار (حسب الفاو)، كما توفر التعاونيات أكثر من 100 مليون وظيفة على مستوى العالم (حسب الفاو(، وفي العام 2012 صارت تعاونية انتاج الطاقة البديلة في ألمانيا من أهم مصادر إنتاج الطاقة، وقد ارتفعت قيمتها المالية في السوق بشكل كبير.

فجوة تمويلية كبيرة
رئيس مجلس مفوضي هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية الدكتور عبد الرزاق قاسم، أكد أنه رغم أهمية قطاع المشاريع متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة ومساهمتها المتزايدة في دعم الاقتصاد ولاسيما في البلدان النامية، مازال هذا القطاع يعاني من فجوة تمويلية كبيرة، حيث يحجم القطاع المصرفي في معظم الأحيان عن تمويل هذه المشاريع نظراً لعدم امتلاكها الضمانات الملائمة لمنحها التمويل اللازم.
من جانب آخر، يشهد العالم تطورات تقنية طالت عدداً من المجالات من أبرزها الخدمات المالية فأصبحت العديد من الخدمات المالية والمصرفية تعتمد في إنجازها على التقنية المالية، ما يساهم في رفع مستوى النفاذ إلى الخدمات المالية وتعزيز النمو الاقتصادي والشمول المالي وخلق فرص عمل جديدة.
وفي هذا الإطار، يضيف القاسم، برزت العديد من المنتجات والأدوات المالية المستندة إلى التكنولوجيا، ومن ضمنها منصات صناديق التمويل الجماعي Crowdfunding، التي تعتبر أحد أنواع التمويل البديل، والتي حظيت خلال السنوات الأخيرة باهتمام كبير في مختلف دول العالم نظراً لدورها كأداة تُسهّل وصول المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر والمتوسطة الى التمويل اللازم.

القاسم: يعاني هذا القطاع من فجوة تمويلية كبيرة حيث يحجم القطاع المصرفي في معظم الأحيان عن تمويل هذه المشاريع نظراً لعدم امتلاكها الضمانات الملائمة

التمويل الجماعي
ويبين القاسم وجود العديد من التعاريف الخاصة بالتمويل الجماعي الصادرة عن المؤسسات الدولية، ويمكن تعريف التمويل الجماعي لهذا الغرض بأنه: طريقة تمويل يتم من خلالها جمع مبالغ صغيرة من الأموال من أعداد كبيرة (من الأفراد أو الشركات)، لتمويل أعمال أو مشاريع محددة ويتم ذلك من خلال استخدام منصات إلكترونية يتم إنشاؤها من قبل شركة (مشغّل المنصة) تشرف على عملها هيئة الأوراق والأسواق المالية بهدف الجمع بين طالبي الأموال والممولين.
أما منصة تشغيل التمويل الجماعي فهي: نظام تشغيل إلكتروني مبرمج يتم إنشاؤه على الإنترنت لعرض جميع المعلومات والتفاصيل المتعلقة بمشاريع وأنشطة التمويل الجماعي على الجمهور.
لهذا، وفقاً للقاسم، فإنه يجب تعديل تشريع إحداث الهيئة لتنظيم إنشاء هذه المنصات وإطلاقها بما يسهم في دعم وتشجيع المشاريع المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر، كما يجب إصدار تشريعات فرعية (أو تعديل عدد من التشريعات القائمة) لاسيما فيما يتعلق بمتطلبات الترخيص لمشغل المنصة ومعايير قبول المشاريع المعروضة على المنصة ومتطلبات حماية المستثمرين من المخاطر وقواعد الإفصاح والشفافية لمنصات التمويل الجماعي وضوابط البيئة التكنولوجية.
بالإضافة إلى إدراج الشركات الناشئة والشركات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر في سوق خاص لهذه الشركات.

الضوابط التكنولوجية

ويشدد القاسم، على أنه يجب التحقق من إعداد البيئة والبنية التكنولوجية الملائمة وأنظمة المعلومات الخاصة بعمل منصات التمويل الجماعي وعمليات التدقيق الأمني لضمان عمل المنصة بشكل آمن وفعّال وموثوق، يضمن توافر المعلومات بشكل مستمر وحماية أمن البيانات الموجودة على المنصة، وكلّ ذلك يجب أن يكون وفق المعايير والضوابط المعتمدة للأمن السيبراني وسياسات إدارة المخاطر المرتبطة بالتكنولوجيا المالية.
لافتاً إلى الشروط الواجب توافرها لإنجاح منصات التمويل الجماعي في دعم المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، وهي: توفير آليات واضحة وصريحة للتجار، تأمين العرض المناسب للمشروع على المنصة، الثقة بإدارة المنصة من خلال القائمين عليها، توفير أسس حوكمة فعالة لإدارة المنصة ، التشبيك مع مؤسسات المجتمع المحلي والمدني.

التحديات
ويعدد هنا القاسم التحديات المرتبطة بمنصات التمويل الجماعي، موضحاً أنها: وضع إطار تنظيمي ورقابي مما يتطلب وضع إطار قانوني ورقابي شامل وملائم لترخيص هذه المنصات، حماية حقوق الأطراف المعنية جميعها بمنصات التمويل الجماعي نظراً لارتفاع المخاطر المتعلقة بالمشاريع الصغيرة والشركات الناشئة، توافر الموارد والخبرات المالية والبشرية لإنشاء هذه المنصات ومراقبة تقديم خدماتها، ضعف البنية التحتية الإلكترونية، ما يزيد من مخاطر التعرض لمخاطر الهجمات السيبرانية، الحاجة للتنسيق بين عدة جهات لتنظيم الإشراف على هذا النشاط وتحديد المسؤوليات، عدم توفر الوعي ومحدودية معرفة المواطنين بآلية عمل هذه المنصات، وانخفاض مستويات الثقة بالتكنولوجيا المالية كالمنصات الإلكترونية في حداثة عهدها لاسيما في مرحلة الإطلاق.

أخيراً
أكد جميع المشاركون في ورشة العمل التي عقدت بداية هذا الأسبوع، وتركزت حول تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغب، على عدم وجود رفاهية الوقت، وضرورة الإسراع في تنفيذ التوصيات التي خلص إليها الخبراء المشاركون، والذين أجمعوا على أن الحكومة والجهات الرسمية بمختلف المستويات ترغب في تذليل معظم العقبات التي تواجه هذه المشروعات، من خلال وضع الأطر التنظيمة الفعالة، وتوفير مظلة حماية متكاملة، وتأمين مصادر التمويل، والتي يتم العمل عليها على التوازي، وهذا كله لأن الفكر الاقتصادي الحديث يؤمن بأن هذه الفئة من المشروعات هي عماد الاقتصاد، لما تحققه من استثمار أمثل للموارد وزيادة القيم المضافة، وتأمين فرص العمل.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار