وليد إخلاصي.. وداعاً
“والحق ما رأيته يخرج يوماً عن طور الرضا”.. هكذا وصفه صديق عمره سعد الدين كليب الذي لم يلمس منه سوى سمو النفس والكرم. سماتٌ شخصية إنسانية لم تقلّ تميزاً عن الصفات الأدبية للخلاّق وليد إخلاصي الهادئ الصاخب الذي لم يكن قاصاً أو روائياً أو مسرحياً فحسب، بل كل ذلك معاً: “لستُ أنا في كل الأحوال من يحدد جنس النص، فالقصة تولد قصة، وكذلك المسرحية.
إن الشكل الفني النهائي هو الذي يفرض نفسه وعندما يحدث التطابق بين الشكل و الفكرة يجد النص نفسه في المقعد المريح”.
في بيئة أدبية وفنية عريقة في لواء اسكندرونة، ولد الكاتب وليد أخلاصي عام 1935، مترعرعاً بين رفوف مكتبة والده الزاخرة، ومقالاته الصحفية كرئيس لتحرير مجلة (الاعتصام) الصادرة في حلب عشرينيات القرن الماضي.. ليسارع الولد متتبعاً خطا والده مختالاً في عالم الصحافة الأدبية.
في زهوة الشباب أرسل قصته الأولى (قصة الديك) لمجلة المعرفة لتنال استحساناً فائقاً وتشجيعاً، تبعتها رواية (شتاء البحر اليابس) 1964. تلتها (لآلئ زينت جِيد الأدب : أحضان السيدة الجميلة، إحزان الرماد . زهرة الصندل. بيت الخل. حكايات الهدهد. باب الجمر. ملحمة القتل الصغرى). كما صدرت لإخلاصي أعمال قصصية منها: دماء في الصبح الأغبر- الطين وزمن الشجرات القصيرة- التقرير وموت الحلزون- الأعشاب السوداء- ما حدث لعنترة.
استمرارية الإبداع
حينما كانت القصة تعتبر وثيقة نفسية واجتماعية لحياة جيل من الشباب في حقبة من الزمن تشمل عقد الستينيات لم يبتعد إخلاصي عن الواقع لكنه مع ذلك لم يكن يقبل الوقوع بأسره :” لطالما حاولتُ أن أخلق الواقع الفني و هذا التخيل ليس وهماً أو حلماً في الفراغ بل امتداد للواقع نفسه”. تميز لم يرتبط بموسم أو بفترة معينة بحياته في حين انقطع العديد من كتاب الخمسينيات و الستينيات عن الكتابة ليستمر كاتبنا بقرع باب الإبداع بمختلف ألوانه . “كان همي الإفصاح عن نفسي، ثم رحت أسعى بشكل تدريجي للتركيز على أفكار و قيم كنتُ أحلم بها و أتمنى أن أناضل من أجلها، إنني في كل الأحوال أبحث عن نفسي من خلال ما أكتب، و يخيل إلي عندما أنتهي من كتابة نص فني ما، أنني قبضت على نفسي”.
مسرح داخل المسرح
لم يتوان وليد إخلاصي عن خط رسالته المسرحية المعاصرة لبث الوعي والتغيير الذي بات محور مسرحياته بظاهرة (المسرح داخل المسرح) في أعمال (الصراط 1975- حدث يوم المسرح 1977 – سهرة ديمقراطية 1979 – السماح على إيقاع الجيرك 1983 – عجبًا إنهم يتفرجون 1986 – مَن يقتل الأرملة؟ 1978)،
آملاً بكشف أوراق المسرح الأخاذة أمام المتفرّج الذي يمسي لاعبًا متورطاً مع الفرقة التمثيلية متواصلاً مع الرسالة محطماً حواجز الخشبة المسرحية.
“هو ذا فن المسرح أيّها السادة حياة في حياة هو المسرح، حياة من حياة، تكون الأشياء ميتة فتدبّ فيها الحياة من جديد”. أعمال مسرحية ترك وليد إخلاصي المدى فسيحاً لمخرجي نصوصها لتغدو أقرب من الأمكنة والناس: (العالم من قبل ومن بعد- هذا النهر المجنون- من قتل العصافير- قطعة وطن على شاطئ قديم – أغنيات للمثل الوحيد- مسرحيتان للفرحة- لعبة القدر والخطيئة)
ترجمت أعمال وليد أخلاصي إلى لغات عالمية عديدة كما حصل على جائزتي اتحاد الكتاب العرب التقديرية وجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية وجائزة الرواية والمسرحية عام 1996.