المال أولاً 

بدأ العدّ التنازلي لبدء امتحانات شهادتي التعليم الأساسي والثانوية العامة بفروعها المختلفة، والطالب اليوم في موقف لا يحسد عليه، فمستقبله متوقف على أيام معدودات، هي التي تحدد مصيره وحلمه.

ومع أجواء التوتر والخوف التي تسيطر على أغلب الطلاب، وبهدف الحصول على أعلى مجموع، تنشط هذه الأيام الدروس الخصوصية بأسعارها اللاهبة التي لا تميز بين غني وفقير، وما على الطلاب إلا “دفع المعلوم”. والظاهرة الجديدة في الدورس الخصوصية، أن أغلب الأساتذة الذين حصلوا على أجرهم مقابل تدريس المنهاج لمادة واحدة والذي وصل إلى أكثر من ٢٠٠ ألف ليرة للطالب ضمن مجموعة، يصل عددها إلى أكثر من ١٥ طالباً، لم يكتفوا بهذا المبلغ بل اشترطوا على الطلاب دفع مبالغ إضافية لمن يريد تسميع المادة “المال هو الغاية الأسمى”، وما على الطلاب إلا الخضوع وتقديم الطاعة والمبلغ الذي يريده المدرّس، ربما بأسئلته يكمن السر العظيم، وبالتالي يضع الطالب أهله الذين أنهكتهم القروض في موقف لا يحسدون عليه، ولكن ما عليهم إلا الطاعة، ربما أسئلة المدرّس المنقذ لأبنائهم، وخاصة في ظل تراجع منظومة التعليم في مدارسنا مع ظل استفحال ظاهرة الدروس الخصوصية التي لم يستطع ذوو الشأن الحد منها، وزادها قوة ما شاب عملية التعليم في مدارسنا من تراخٍ  وإهمال.

أما الأهل، فهمهم الأوحد أن يجتاز أبناؤهم الامتحان بعلامات تخوّلهم دراسة أحد فروع الكليات الطبية، متجاهلين مستوى أبنائهم ومقدرتهم العقلية، فالجميع يتطلع لأن يرى ابنه “الدكتور المشهور” للتباهي أمام الناس.

للأسف، هذه العقلية السائدة اليوم، وكأن المجتمع لا يقوم إلا على الأطباء.

فيا سادة، الطب مهنة إنسانية، وكل مجتمع بحاجة إليها، ولكن أن تكون الهدف الأول والأخير للأهل، حتى مع عدم رغبة الابن، فهنا الطامة الكبرى والأمثلة كثيرة. فكم طالب دخل الطب كرمى لأهله وفشل في النهاية؟.

المجتمع يا سادة يقوم على كل الاختصاصات، وفي المجتمعات الراقية تتقدم العلوم الرياضية على كافة الاختصاصات الأخرى، وكل طالب مجد وطموح، مبدع في مجاله.

واليوم ونحن على مشارف الامتحانات، اتركوا أبناءكم يختارون ما يريدون وما يناسب تطلعاتهم وطموحاتهم، لا تفرضوا عليهم أي اختصاص مهما كان، لأن ذلك لن يزيدهم سوى تشتت وضياع، ولتكونوا قدوة حسنة لهم، وليتذكر الأساتذة أن المعلم” كاد يكون رسولاً ” وليس عبداً للمال.

ننتظر أن تكون امتحانات هذا العام مختلفة عن سابقاتها من خلال تجاوز كل ما شاب العملية الامتحانية من ظواهر سلبية من قبل بعض ضعاف النفوس خلال الأعوام السابقة، ولينَل المجموع العالي من يستحقه فعلاً، فالحياة العملية تكشف المستور و”الماء تكذب الغطاس”.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار