تُطبق معظم المؤسسات الاقتصادية في عملها اليوم ممارسات تنطلق من وجود علاقة إيجابية قوية ما بين رفاهية الموظفين وأداء الشركة التي يعملون فيها، فعندما تؤمن لهم وظيفتهم ما يكفي من موارد مالية للعيش حياة صحية ونفسية جيدة إلى حد ما، وتوفر لهم بيئة عمل يندمجون ضمنها، سيتحسن أداؤهم وتتحسن إنتاجيتهم، وسيكون هدفهم الدائم هو إحداث التغيير المفيد لشركتهم، وتالياً لمصلحتهم.
وهذا ما تم التعارف عليه بمفهوم الاستدامة البشرية، الذي ينطلق من الأفراد العاملين في أي جهة، ويحقق تحسناً في مصالحهم الشخصية: (صحية- نفسية- وصولاً إلى مهاراتهم الوظيفية)، وهذا سيمتد أثره الإيجابي إلى تعاملهم مع زملائهم، ومع عملاء الجهة التي ينتمون إليها، وارتباطهم وولائهم لمؤسستهم.
وبعيداً عن كلام النظريات، فعندما يتوحد هدف الجميع في أي منشأة، نحو تحقيق المصلحة العامة كشرط لازم لتحقيق المصالح الفردية، ستحقق هذه المنشأة أفضل النتائج، بزيادة حصتها السوقية لمنتج معين، أو إطلاق منتجات جديدة تجذب إليها شريحة جديدة من الزبائن في الداخل أو الخارج، وهذا ما يزيد من صافي الأرباح، ما سينعكس إيجاباً على الجميع، لأنهم جميعاً شاركوا في صياغة وتحقيق الأهداف…
ما يهمنا حالياً هو واقع مؤسساتنا جميعها في القطاعين العام والخاص، التي ورغم إطلاق شعارات التطوير والإصلاح الإداري والحصول على شهادات الجودة المحلية والعالمية، إلا أنها ما زالت تعمل بعقلية لا تتناسب ولغة العصر السائدة في عالم الأعمال، فصاحب المنشأة الخاصة هدفه تعظيم أرباحه وتكديس ثروته، غير آبه بحال موظفيه وعماله ومجتمعه، وكذلك هو الحال في القطاع العام، إذ تصبح المنشأة بالنسبة للإدارة العليا وكأنها ملك موروث، الهدف منه تحقيق أهداف شخصية ضيقة، كتحقيق مكاسب مادية أو “سلطوية”.
ومن هنا نجد أن وضع الخطط في معظم جهاتنا العامة يتشابه إلى حد كبير، بأخذ مؤشرات رقمية يمكنها أن تزين الوضع القائم، وترك مؤشرات الأداء الحقيقي التي ستفضح الواقع، لأن منهج العمل لا يقوم وفق مفهوم الاستدامة البشرية، وإنما حسب عقلية المزارع الخاصة..!
ربما يكون تشكيل مجالس الإدارات لمؤسساتنا أو تحديد المسار الوظيفي للإدارات العليا وتطبيق معايير لشغل المراكز الوظيفية، خطوات مهمة في تطوير عمل مؤسساتنا، لكنها غير كافية طالما أن بيئة العمل لا تحقق اندماج المصالح بين أغلبية الكوادر، ولا تقوم قراراتها على التشاركية والتشاور بين الجميع، من خلال سلوكيات عمل حديثة أثبتت فاعليتها عالمياً.