أزهار البابونج في مواجهة الورود البلاستيكية المهجّنة!

يتبادل العاشقون الورود الحمراء في عيد الحب.. ويضع الزائرون الزهور البيضاء على القبور.. في المناسبات تحضر جميع أنواع الورود والزهور التي تبيعها المشاتل ومحلات الزينة، ومعظمها شبيه بالأزهار البلاستيكية إذ لا رائحة فيها ولا حياة, لكن برغم ذلك احتلت الأزهار مكانة كبيرة عند البشر منذ القدم، وقد تناقلت بعض الشعوب عبر حقباتها المختلفة الكثير من الأخبار عبر الأساطير والمعتقدات حول أهمية الزهور ورمزيتها، حتى أصبحت أغلبية الدول تختار رموزها باستخدام زهرة معينة، فزهرة الأقحوان والكاميليا كانت شعاراً لليابان، و«الباسيفلورا» شعار للصين، وزهرة الرمان شعار للأسبان، وزهرة البرتقال لألمانيا، والتوليب لهولندا، واللوتس لمصر.. لكن القليلين ربما يعرفون أن زهرة البابونج كانت لها منزلة تاريخية كبيرة في الثقافة السورية القديمة، فهي موجودة على بوابة «عشتار»، كما اعتمرت رؤوس قادة الجيوش أثناء الحرب، وكانت رمزاً للطهارة والصفاء والنقاء لدى الآشوريين، وسميت أيضاً بـ«هبة الأرض»، لما لها من فوائد عديدة، ليس فقط من الناحية الطبية والتجميلية التي تمتد من علاج التشنجات العضلية، إلى تخفيف القلق والتوتر ومعالجة أمراض الجهاز الهضمي، وعلاج مشكلات البشرة، بل أيضاً من الناحية التاريخية، حيث كانت تتواجد في العديد من المنحوتات الآشورية والأواني الفخارية والقطع الأثرية، التي عثر عليها في شمال العراق وسورية.
نُسبت زهرة البابونج إلى الفن الآشوري، وأطلق عليها «الوردة الآشورية» لانتشارها بشكل واسع في المنحوتات والرسوم الجدارية، وكان أجملها على الإطلاق تلك التي زينت بها بوابة “عشتار” في بابل وجدران شارع الموكب، وذلك في القرن السادس قبل الميلاد، وتعد هذه البوابة من أهم المعالم المعمارية التي جمعت بين روعة البناء وجمالية التصميم، حيث ظهرت أزهار البابونج بشكل واضح ومنتظم على الجدران، وكانت ترمز تلك الزهرة إلى الانتصار والحياة، ليكون معنى اللوحة، أن الآلهة «عشتار» تسير دوماً مع جيش بابل الذي يخرج من المدينة في طريقه للحرب، لتكون مرافقة وحامية لمسيرة ذلك الجيش، يجريان مع مياهي دجلة والفرات ليجلبا الخير ويبعدا شبح العطش خلال الحرب ضد الأعداء, كذلك يمنح رمز هذه الزهرة جيش بابل، زهوَ انتصاراتهم على الأعداء, المعروف بأن البابونج يحظى باهتمام كبير في بلدنا, ويكاد لا يخلو بيت منه لفوائده المتعددة ومذاقه المحبب، وهو ينتشر بكثرة في معظم الأراضي السورية بشكل طبيعي في الربيع، وهذا يدل على أن المناخ في سورية مناسب لنموه, وتالياً إنتاجه على نطاق واسع، ولكن لا توجد حتى الآن أي مشاريع حقيقية تعنى بتقديم الخدمات اللازمة لإنتاجه وتسويقه كي يجعل منه محصولاً تصديرياً مجزياً يعود بالنفع على بلدنا، ومن هنا يستحق أن نعنى بالبابونج ليصبح كمثيلته “الوردة الشامية” التي استحقت شهرة عالمية وباتت سفيرة دمشق إلى العالم.. يحجز البابونج مكاناً رفيعاً في الذاكرة السورية تاريخياً، تلك الزهرة البرية التي تنبت أوائل الربيع، لها من الدلالات والمعاني والفوائد، ما يضاهي الورود المهجنة التي تنتشر اليوم، حيث لا حيوية فيها ولا حياة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار