عبد اللطيف عبد الحميد لم يمت.. باقٍ بأفلامه

دمسق- وصال سلوم:
رحل صاحب القلب الكبير والفن الاستثنائي في زمن الحكايا التجارية والفن المدبلج، رحل واسمه محفور في الذاكرة الجمعية السورية، رحل وفنه وهويته البصرية جعلت المستحيل ممكناً واستطاع بنية حب وكاميرا سينمائية التقرب من الخانات السورية بأكملها، وكأن بينه وبيننا جميعاً صلة قربى.
منذ سنوات، وبمناسبة عيد الأم خطر لي صياغة مادة صحفية عن الأم بعيون شاعر وسينمائي وكيف يمكن أن تتحول الأم بعيونهما إلى لوحة سينمائية وقصيدة، فكان الحوار مع الشاعر الكبير المرحوم سليمان العيسى، والسينمائي الغائب منذ ساعات عن عالمنا عبد اللطيف عبد الحميد، وأسترجع معكم ما قاله، بكثير من الحب والحنين لزمن كان فيه الأستاذ عبد اللطيف يتنفس هواء الوطن سورية:

لقطة كاميرا مع عبد اللطيف عبد الحميد‏

دائماً هي الأم مصدر الإلهام الأول ومنبع الثقافة الأول فهي التي تخلق فينا ومنذ الصغر فنون الحب والجمال وتجعلنا جاهزين لمستقبل نصنعه نحن وبتوجيه أنثوي منها علّها تكون يوماً في المستقبل القريب لأعمارنا أماً لقامة كبيرة ومبدع ناجح.‏
الأستاذ عبد اللطيف عبد الحميد عندما سألته كم شعرت والدتك بالفخر وهي تشاهد نجاحك سينمائياً صوتاً وصورة ؟‏

قال: لقد توفيت والدتي قبل عرض أول أفلامي “ابن آوى”.‏
ولم تشاهد هي و والدي نجاحاتي، أخذهم الموت مني.. منا.. أنا..وإخوتي.‏
أمي.. التي أخطأت حينما اعتبرتها أحجية وبقيتُ سبعة وثلاثين عاماً وأنا أسأل نفسي: هل تحبني أمي؟‏
أمي تلك المرأة الريفية القاسية التي لم تعتد البوحَ بمشاعرها والصارمة أبداً.‏
أمي التي قررت يوماً الإجهاض بي، الأمر الذي ولّد عندي شعوراً بالحزن منها، زعِلت منها لذلك ربما لم أرضع صدرها لم التصق بجسدها لم أشعر وأنا طفل بحنانها.‏

أمي التي كانت تقرأني من عيوني وتكشف صدقي، كذبي، جنوني.‏
ربما لم أجد الدفء عندها لكنها علّمتني أنه عليّ البحث بل وخلق الدفء الذي أنشد.‏
علّمتني صرامتها الكثير.. وقوتها جعلتني أعمل دائماً من أجل التميز في كل شيء.. علمتني أن أكون صادقاً مع نفسي قبل الآخرين.‏

لكن! ليلة وفاتها خجلت كثيراً من نفسي وحزنت أكثر لعدم إدراكي وشعوري بمقدار حبها لي، أمي المريضة -كثيراً- بداء السكري، التي فقدت نعمة البصر تدخل إثر نوبة مرضية في غيبوبة ولا أعلم بذلك إلّا حين وصولي من غربة، لأفاجأ بها على سرير المرض في مشفى يسع مرضها وحزني عليها، كانت هي مغمضة العينين وأختي إلى جانبها تنادي حين دخولي (أهلاً عبد اللطيف) حينها ربما شعرت أمي بنَفَسي في الغرفة فاستيقظت لتقول: عبد اللطيف.‏
إذاً كم كانت تحبني أمي وكم زعلتُ من نفسي وتقزّمت قامتي أمام موقفها ووفاتها.‏
خجلت كثيراً من حنانها المكنوز في أضلاع صدرها.‏
تخيلوا اختصرت كل الأجوبة التي كنت أبحث عنها وأراهن وأسأل نفسي بها سبعة وثلاثين عاماً لم أدرك مقدار حبِّها إلّا يوم وفاتها.‏
أحبك كثيراً أمي وليتك أطلت مكوثك معنا لتشاهدي نجاحي حتى لو فيلماً من أفلامي، توفيت أمي وأنا أعمل أول أفلامي.. إلى روحك حيث أنت ألف تحية وعيدية

رحل السينمائي السوري عبد اللطيف عبد الحميد ولو خطر في البال عمّا إذا كان قد ترك وصية، لكان القلب حاضرا والخيال حاضرا متحفزا لاستحضار أبهر قلبه والنبض بيننا مرات عديدة فهو لم يمت وأرشيفه باقٍ بيننا يوصينا بالمحبة والتعاضد حدّ النهوض بالأم سورية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار