من الأوراق والكاميرا إلى العشق الكليم: عبد اللطيف عبد الحميد فارس السينما السورية ترجل
دمشق- حنان علي:
“طوال عبوري للدرب الترابي الطويل المؤدي إلى البيت، ما لبثت أدندن: «ميل يا غزيل»، مستدعياً جميع الأصوات المرافقة. لاحقاً تشكلت لديّ مفاتيح الصوت أو ما يسمى المكساج. لم يخطر ببالي التمعن بما طرحتِه قبل الآن، فإن أردتِ إجابتي، فأجيبك: نعم استقرأتُ مصيري”.
تحت ظلال سيفه الدمشقي جلسنا، لا أدري ! أتراه من حسن حظي أم لمضاعفة ألم الذاكرة ، أمسى ذلك اللقاء حواره الصحفي الأخير ! أحيا المبدع عبد اللطيف عبد الحميد يومها طفلَ السبعة أعوام مستحضراً مصيره الإخراحي، وأقدارَ الفتى الذي قطع الوديان والتلال في دربه الموحل إلى مدرسته، مختبراً قسوةَ مناخ الضيعة مكرساً فيما بعد أروع أفلامه التي خطّها عبر مسارٍ طويل مكسوٍ بالجليد، ويدين متورمتين تعلّقان دلواً طافحاً بالعجين.. عشقه للإخراج والتمثيل والخوض في عوالم الصورة والمسرح، لم يمنعه من أن يخلد إلى آلة العود، العزف ومن بعده الانضمام لبعثة الإخراج للدراسة بالمعهد العالي للسينما موسكو 1981 مؤثراً الإخراج على الموسيقا.
دمعة تكفي، أو حتى مظهر سوريالي جاف لأن يلقي فكرته في الذهن، فإن عادت يطلق أجنحتها بأعمال فنية تعكس الواقع، تاركة بصمتها وتأثيرها على السينما السورية والعربية، صاغها ساحر الجماهير وحاصد الجوائز المحلية والعربية والعالمية بدءاً من أيام الدراسة في موسكو وانتهاء بتكريم فيلم «الطريق» وما لحق تلك الجوائز من خضوع المديد للمحاكمة الذاتية منذ أفلامه الأولى «أشعر بسيوف ثلاثة تقطع عنقي! فإن كانت البداية على هذا النحو، فأي رهبة تكفن الخطوة التالية”.
لم يعد عبد اللطيف وحيداً في حجرته الطافحة بالكتب والصور والذكريات، فقد آثر الرحيل إلى حبه العتيق الذي شاركه الأفكار وردود الأفعال ووجهات النظر المتمايزة، رحل من لم يعجبه يوماً الاستعراض، الحريص على نقل الكاميرا تبعاً لإحساسه، فإذا ما استحوذت عليه فكرة أسرته الأوراق والأقلام أياماً وأشهراً، مستحضراً أبطالها على الورق وأمام الكاميرا.
الفجيعة التي ألمت بشخصياتك لطالما قضّت مضجعنا، فالنهايات مرتبطة بالبدايات، وبالتطور الدرامي للعمل وفق تعبيرك الواقع المرير عينه وقّع فاجعة لملمتنا معاً بخشوع، يداً بيد مع أبنائك (ليالي ابن آوي) و(رسائل شفهية) و(صعود المطر) و(نسيم الروح) و(قمران وزيتونة) و(ما يطلبه المستمعون) و(مطر أيلول) و(طريق النحل) و(عزف منفرد) و(الطريق) .. لرثائك لخسارة غيابك ولخلود ذكراك.