«.. إنهم يسرقون نفطنا»
في أيار من عام 2020 نشر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني تحليلاً سياسياً منقولاً عن صحيفة «ديلي بيست» يتحدث عن السياسة الأميركية في شمال شرق سورية وعلاقتها بالسيطرة على الثروات النفطية السورية.
يعود أصل الحكاية إلى نهاية عام 2019 عندما صرح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أن أميركا موجودة في سورية من أجل «الحفاظ على النفط». وقع هذا التصريح وقوع الصاعقة على المسؤولين في وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين، فعلى مدى عقود حاول المسؤولون الأميركيون إقناع العالم بأن سياستهم في المنطقة غير مرتبطة بالنفط، وأن حضورهم فيها قائم على حماية أمن الولايات المتحدة وجلب “الحرية والديمقراطية”، لذلك سارع الناطق الرسمي باسم البنتاغون إلى نفي تصريحات الرئيس وأكد أن «أي وجود عسكري أميركي في محيط حقول النفط السورية ليس سوى جزء من مهمة القوات الأميركية المتمثلة بهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية«داعش».
بعد مرور سنتين على ذلك التصريح، ورغم هزيمة« داعش» وخروجه نهائياً من منطقة آبار النفط، إلا أن القوات الأميركية ما زالت موجودة هناك لحماية آبار النفط ، ومع ذلك تصرّ الخارجية الأميركية وقيادة التحالف على النفي وتؤكد في تصريح صدر في آذار الماضي أن «قوات التحالف لا تقدم أي مساعدة لأي شركات خاصة أو أفراد أو سماسرة يسعون لتطوير مصادر النفط في شمال سورية».
القصة الحقيقية، هي التالية:
في سياق تشديد الحصار الاقتصادي على الدولة السورية، وضعت الولايات المتحدة خطة بسيطة، غير أخلاقية وغير قانونية، لمساعدة شركائها شمال شرق سورية في الحصول على تمويل ذاتي لتعزيز قدراتهم على منع الدولة السورية من الوصول إلى آبار النفط . اقتضت الخطة الاستعانة بشركة نفط صغيرة وحديثة مقرها في ولاية ديلاوير اسمها «دلتا كريسنت اينرجي»، تأسست هذه الشركة على يد جيمس كين؛ السفير الأميركي السابق في الدنمارك، وجيم ريس، وهو ضابط متقاعد من القوة دلتا، كان يملك شركة متخصصة بإزالة الألغام (تايجر سوان) تعمل بعقد مع الحكومة الأميركية لإزالة الألغام في محافظة الرقة السورية، وجون دوريير، وهو مدير سابق لعدة شركات نفط أميركية.
حصلت شركة دلتا كريسنت في 8 نيسان 2020 على إعفاء لمدة سنة من الحظر الذي تفرضه وزارة الخزانة الأميركية على التعاملات التجارية مع سورية، وحسب عقد الشراكة مع «شركة الجزيرة للنفط» الشركة المحلية التابعة لميليشيا قسد، يقتصر دور دلتا كريسنت على تقديم «النصح والمشورة» مقابل الحصول على دولار واحد عن كل برميل نفط يتم تصديره، لكن أعمال الشركة لم تتقدم بالشكل المطلوب بسبب فشلها في افتتاح معبر للنفط باتجاه إقليم كردستان من منطقة اليعربية، اذ واجههم رفض الأهالي من جهة… ومن جهة ثانية تعنت الميليشيا الكردية العراقية التي مثلها لاهور طالباني مدير ما يسمى المخابرات الكردية (المتورط في عملية اغتيال الشهيدين قاسم سليماني وأبو يحيى المهندس) ومنصور برزاني ابن عم رئيس حكومة الإقليم التي طالبت بـ70% من عوائد النفط الذي يمر عبر أراضيها. في الجهة المقابلة ازدهرت تجارة تهريب النفط، وهو ما فاقم الأزمة التي تعانيها دلتا كريسنت.
في سعيها لمتابعة القصة أرسلت ديلي بيست أحد مراسليها إلى شمال شرق سورية. يصف المراسل رحلته من القامشلي إلى حقول رميلان، ويتحدث عن وجود العديد من مصافي النفط البدائية، وبقع النفط السوداء، ويصف الشاحنات الصغيرة والدراجات النارية التي تحمل النفط المهرّب عبر الحدود إلى تركيا. عند الوصول إلى حقول رميلان، يصف المراسل المنطقة بأنها بلدة صغيرة فيها الكثير من أعمال الإنشاءات، من بينها عدة مكاتب ومنامات لموظفي دلتا كريسنت و«شركة الجزيرة للنفط». في تلك المكاتب التقي جيم ريس، أحد مؤسسي شركة دلتا، الذي أخبره أن شركته «تدعم حلفاء أميركا، في سبيل تحقيق أهداف السياسة الأمنية الأميركية»، أما جون دوريير فأخبره أن الشركة حصلت على عقود تصدير بقيمة ملياري دولار. كما التقى المراسل سائقي صهاريج نقل النفط الذين أكدوا له أن وتيرة العمل على حالها منذ سنوات ولم تتحقق أي زيادة في الإنتاج منذ قدوم الشركة الأميركية.
تابع المراسل لقاءاته مع مواطنين في القامشلي، أحدها لقاء مع عامل الميكانيك أحمد سعيد الذي قال له: «إنهم يسرقون نفطنا، الأميركيون لا يخدمون إلا مصالحهم، إنهم موجودون هنا منذ سنوات، ما الذي تغير؟ لا شيء. الأمور تسير نحو الأسوأ، أنظر إلى الدمار والمجاعة، هذا كله سببه الحصار الأميركي، سوف يدمرون بلادنا كما فعلوا في العراق واليمن… وكل مكان آخر ذهبوا إليه. إنهم غزاة، وهذه البلاد يجب أن تعود إلى أصحابها».
كاتب من الأردن