باتت ظاهرة الاحتفاء «برأس السنة الميلادية» من التقاليد الراسخة في مجتمعنا السوري، لدرجة أن التحضير لهذه الليلة قد يبدأ قبل أسبوع من وصولها إلى كفة الميزان الزمني الذي يجعلنا على مفرق طرق بين الماضي والحاضر والمستقبل، إذ إن الدقيقة تلك التي يفصل من خلالها الزمن ليقف مؤشره عند الصفر، لم يكن سوى إشارة مرور تطالبنا بأن نختار مفرقاً لنبدأ السير من جديد، دقيقة النهاية لعام مضى، هي بذات المنصب الذي يخولها لتكون الدقيقة البكر للأيام القادمة، لكنها بالدرجة الأولى هي دقيقة السؤال، وإذا لم تكن كذلك فإن إيحاءها سوف يدخل في حيز الارتباك، ليختار رمزيته الأسهل، فيغدو مجرد طقس لا غاية له سوى التكرار لسهرة رأس السنة السابقة، بجانبها المادي الاستهلاكي الذي يطالبنا بمزيد من البذخ، بقصد التظاهر المفرغ من المضمون أمام الغير، وفي أحسن الأحوال بقصد أن تكون ليلة مميزة يجتمع على مائدتها الخلان، ولكن ما هو الشيء المطالبون بأن نسأل عنه أمام مائدة تنتظرنا قبل أسبوع من هذا الموعد، وكل سؤال سوف يحمل لنا جوابه نزفاً كنّا نبتغي -من خلال هذا الاحتفال- نسيانه لنتابع الرقص بأقصى سرعة بعيداً عن النظر إلى المفرق الزمني الذي ينتظرنا في هذه الليلة بالذات، ولأن للمفارق وجوداً قسرياً في حياتنا، فسنكتشف في الصباح بأن تجاهلها لن يجدي شيئاً، لا بل إن محاولة نسيانها سيكلفنا جرحاً آخر، وبتراكم السنين سوف يكون النزف عصيّاً على جرعات الترياق العاجلة التي تلتهم أيامنا الجارية من دون شفقة أو رحمة!.
-لكن لا بدّ من النسيان: سنقول لأنفسنا ونحن نرتشف آخر دقيقة من الماضي، وستقول الدقيقة صفر: لا بدّ من الذاكرة، وفي الوقت ذاته لا بدّ من تجاوزها، ليكون الخيار بعيداً عن الشجن، ففي الشجن يأخذ الماضي دوره على أكمل وجه، وتُنفى الذاكرة من خيارات المستقبل، وإذا كان لا بدّ منه، لكون البشر محكومين بطبيعتهم الإنسانية، فليكن حافزاً لاستجرار المستقبل، ففي دقيقة الصفر يأخذ التناقض بين الذاكرة والنسيان شكل التقارب النصي لحياة أي شخص، وبذلك يتحول من ضد خفي، إلى بوصلة تشير لنا إلى المفرق الذي سوف نختاره لنكون جديرين بالرقص على أوتار العام الجديد.