يغدو الليل أطول عندما نجافيه بالبعد عن الأمل، وكيف يصحو الأمل فينا ومئات الأزمات تطارده، ولا من دليل ندفئ به أجفاننا سوى الذهول!.
تحت عنوان «الذاهلون» كتب «رامبو» في العام 1870: « سودٌ وسط الضباب والثلج، أمام الفوهة الكبيرة التي توقد النار فيها، جالسون في حلقة، جاثون على الركب؛ خمسة صغار؛ ياللبؤس، ينظرون إلى الخبّاز وهو يُهيئ أرغفة الخبز الشّقر الثقيلة!.».
وفي عام 1967 كتب أنسي الحاج: لم يعد أحد ينظر إلى السماء، لم يعد أحد يجرؤ أن يستمتع بصوت المطر.. أعرف الكثير من الناس استعاضوا عن ظلام الليل الجميل بظلام الروح والجسد، وعن عتم الطبيعة بعتم المصير!.
فماذا سأكتب في هذا اليوم، وأنا أرى الناس حبيسة مصائرها، حبيسة التاريخ الذي يكرر بؤسه بعيداً عن قيم الميلاد، والجغرافيا بصفاقة «تاجر البندقية»، الذي بات- في عصر العولمة- قراراً يرسم حدود الفقر والموت والديمقراطية كما يحلو لأمواله أن تكون، لكن لا بدّ من الأمل.
وسأختار موضوعاً يناسب ذكرى الميلاد العظيم، سنتحدث عن الحب والسلام، وعن التضحية التي قدمها «السوري» صاحب العيد، لإنقاذ البشرية جمعاء من الذنوب التي رافقت قرابين الدم والغدر والجوع، والتي وسمت البشرية منذ البدء بصفات يمقتها السيد المسيح، ويصاحبها من كانت دماء «الهنود الحمر» البريئة أساساً لبناء تاريخ معاصر من الوباء الذي سوف يطول بشروره البشرية جمعاء، ولن يكون من رادع له سوى التمسك بالأمل، ومتابعة اللعنات مع “أنسي الحاج” :/ ليكن ملعوناً هذا التاريخ الذي يُصنع ضد الإنسان، ليكن ملعوناً هذا العالم الذي أصبح منفى، لتكن ملعونة هذه الأرض التي صاروا يعتبرون فيها المومياء أنضر من العاشق، والسياسة أكثر جدية من الحب، لتكن ملعونة هذه المجموعات من البشر الذين ينتصبون كالجدار بيننا وبين أشيائنا الصغيرة.»
في مكان آخر كتب رامبو: (عجباً ! الإنسان رفع رأسه فخوراً وحُرّاً، والإشعاع الأول المفاجئ، إشعاع الجمال الأول، يجعل الإله يتململ في هيكل الجسد).
وكتب أنسي الحاج أيضاً: (ممزق هذا العالم، الأنوار تخفت، تخفت، وليس من يهتم!).. وفي خطاب موجه لحبيبته يقول: هل تغفرين لي أن أكون عصفوراً مرتجفاً في هذه الدوامة، هل تغفرين لي أن أكون ضائعاً، ومن يغفر لرجل يتمسك بالهواء، وهو يغرق.. وأنت على شرفة ما تراقبين المارة ولا تبصرين أحداً .. ادخلي إلى غرفتك، وأغلقي الأبواب، وهناك في فراغ الغرفة أكون، مدي إلي يديك من فوق حقيقة هذا العالم المجرمة، وامنحيني وهج عينيك ليكون وطني الوحيد ضد أوطان البشر، وامنحيني حبك، فلا أدخل حرباً من هذه الحروب (.
إنه نداء الميلاد فينا، نداء السلام، نداء الأمل الذي يجعل الليل فسحة كبيرة نسافر إليها لنعيد للنجوم إشعاع الجمال الأول الذي يتمدد في رائحة خبزنا، في عيون أطفالنا، في أشيائنا الصغيرة على هيئة روح بجسد فخور لكونه إنساناً.