منذ سنوات وقطاع الدواجن يتراجع بشكل واضح، تحت نظر الجهات المعنية، وهو من أكثر القطاعات هشاشة وتأثراً بتغير سعر الصرف، لأن أغلب مستلزمات إنتاجه مستوردة وتكلفة التربية مرتفعة، إضافة إلى معاناة المربين الكثيرة، فالعديد منهم لا يتمكنون من تأمين المحروقات ووسائل التدفئة، وتكبدوا خسائر متتالية اضطرت البعض منهم لإيقاف الإنتاج، وتالياً بدأ هذا القطاع بالتدهور حيث انخفض إنتاج بيض المائدة ولحم الفروج، وارتفعت أسعارهما لدرجة أصبح شراء بيضة واحدة يشكل عبئاً على المواطن، فكيف بشراء لحم الفروج؟
عزوف المربين
حكمت حداد من أكبر مربي الدواجن يقول لـ«تشرين»: إن ارتفاع أسعار الأعلاف من الأسباب الرئيسة لعزوف العديد من المربين، على سبيل المثال منذ سنتين كان سعر كيلو الذرة مئة ليرة فقط، بينما سعره اليوم 1500 ليرة، كذلك سعر كيلو الصويا ارتفع من 25 ليرة إلى 2500 ليرة، وخسر المربون خسائر كبيرة، فارتفع سعر البيض، وعوّض جزءاً من الخسارة.
أما المشكلة الثانية بالنسبة للمربين فهي ارتفاع سعر الصرف المفاجئ هذا العام، ما أثر بشكل كبير في أسعار الأدوية البيطرية وكذلك الأعلاف، إضافة إلى ارتفاع أسعار الأمّات المستوردة، وعدم تناسب أسعار السوق مع الكلف لأن مستلزمات الإنتاج مستوردة، والدخل في سورية منخفض جداً، لذلك أصبح المواطن يخفض من استهلاك المنتجات كافة.
وأوضح حداد أن أسعار الدواجن ارتفعت في كل دول العالم بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف عالمياً، إضافة إلى الطلب المتزايد على منتجات الدواجن بعد جائحة كورونا، كما أن الجفاف الذي حدث أثر بشكل كبير في كميات الأعلاف المطروحة عالمياً.
الحصار والعقوبات
بدوره مدير عام المؤسسة العامة للدواجن المهندس سراج خضر أشار إلى أنّ قطاع الدواجن تأثر بشكل كبير بسبب الحصار على سورية، حيث أدى ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج من مواد علفية (ذرة صفراء – كسبة فول الصويا – النشارة – تجهيزات – المشارب والمعالف)، وارتفاع أسعار الأدوية واللقاحات وأجور النقل والأيدي العاملة، كل تلك الأمور زادت من كلف مادتي (الفروج والبيض) بشكل كبير جداً، ما أرهق المستهلك والمنتج الذي يبيع منتجه بأقل من التكلفة معاً، ما أدى إلى توقف الكثير من منشآت الدواجن والمزارع عن التربية بسبب الخسائر الكبيرة التي لحقت بهم في الفترة الماضية.
التاجر «يأكل البيضة والتقشيرة»
وذكر خضر أن تكلفة إنتاج كيلو الفروج الواحد تصل إلى 5500 ليرة، مثلاً تكلفة تربية 10 آلاف فروج تقارب 110 ملايين ليرة وهذا رقم كبير جداً، والكثير من المربين لم يعد لديهم الملاءة المالية لتربية دواجن بهذا الكم، ما يعني أن حيازاتهم من التربية انخفضت إلى حدودها الدنيا، منوهاً بأنّ دورة تربية الفروج قصيرة لأنه عندما يصل الفروج إلى عمر 35- 40 يوماً يجب أن يباع بسبب زيادة تكلفته من العلف، وتالياً يتحول إلى خسارة أكبر عند المربي، موضحاً أن المربي هو الحلقة الأضعف حيث يضطر أحياناً للبيع بخسارة من أجل أن يوقف خسارته عند حد معين، لكن من «يأكل البيضة والتقشيرة» هو المسلخ الذي يتحكم ويأخذ ربح المربي وجهده ويطرحه إلى الحلقة النهائية للاستهلاك إن كان للفروج المقطع أو إلى الشاورما أو المأكولات السريعة، لذلك يجب أن يوضع حد للمسالخ التي هي الحلقة الوسيطة بين المربي والمستهلك.
ارتفاعات عالمية
وبيّن سراج أن حلول مشكلة الدواجن تكمن في تأمين المواد العلفية ودعمها لاسيما كسبة فول الصويا التي تشكل من 70-75% من التكلفة، مؤكداً أن أسعار مستلزمات الإنتاج في سورية مرتفعة أكثر من دول الجوار بحدود 15- 20%، ولكن بالرغم من الخسائر لمربي الدواجن فلا يزال بعضهم مستمراً في الإنتاج على أمل أن يعوض خسارته السابقة.
متوازن ومستقر
مدير عام مؤسسة الدواجن بيّن أن وضع المؤسسة متوازن ومستقر بعد تأمين الأعلاف من قبل مؤسسة الأعلاف بسعر التكلفة، وقد زاد إنتاج المؤسسة من 6 ملايين بيضة في الأشهر القليلة الماضية إلى 10 ملايين بيضة شهرياً، موضحاً أن المؤسسة تخطط لزيادة إنتاجها في العام القادم بنسبة 61%، مشيراً إلى أن المؤسسة هي صمام الأمان لقطاع الدواجن واستمراريته، وأن المؤسسة موجودة كمربٍ قوي وكبير وهي ذراع الحكومة في تأمين مادتي البيض والفروج وصوص التربية الموجود لدى المؤسسة، وقد تم توزيعه على منشآت المؤسسة بحدود 850 ألف فرخة بياضة وهذا يندرج ضمن خطة الإنتاجية للمؤسسة للعام القادم.
تراجع أداء القطاع
الخبير في شؤون الثروة الحيوانية المهندس عبد الرحمن القرنفلة أوضح أن الحرب أثرت سلباً في المربين، حيث أدت إلى تراجع إنتاج بيض المائدة ولحم الفروج، كذلك العقوبات الاقتصادية ساهمت في ارتفاع غير مسبوق بقيم مستلزمات الإنتاج وتبدل سعر صرف العملة المحلية مقابل سلة العملات الأجنبية التي يتم من خلالها تسديد فواتير المستوردات، وهذا ما ولد مخاوف وحذراً تجارياً لدى المتعاملين بالسلسلة التسويقية من موردي الأعلاف والأدوية البيطرية والمعقمات وعبوات التغليف والتعبئة، الأمر الذي أدى إلى تحولهم عن طريقة البيع الآجل وتمويل المربين إلى البيع نقداً، وهذا التحول نتج عنه خروج عدد لا يستهان به من المربين من حلقات الإنتاج.
تدهور إنتاج الطيور
وبيّن قرنفلة أن الكثير من المربين لم يتمكنوا خلال الحرب من تأمين المحروقات ووسائل التدفئة نظراً لقلتها وارتفاع أسعارها ما تسبب في نفوق الصيصان وتدهور إنتاج الطيور المنتجة بنسب تجاوزت الحدود الاقتصادية المقبولة، ما دفع المربين إلى اعتماد وسائل تدفئة أقل كفاءة وأكثر تكلفة وذات تأثير بيئي سيىء جداً مثل حرق إطارات السيارات والحطب والكرتون وعرجون الزيتون والأقمشة البالية، أو اللجوء إلى مصادر الكهرباء والغاز المنزلي حال توفر أي منهما، لافتاً إلى أنه بسبب الحرب توقفت كثير من مرافق خدمات الإنتاج عن العمل كالمفاقس والمسالخ ووحدات فرز وتغليف البيض، ما خلق صعوبة في نقل الفروج إلى المسالخ ونقص المعروض من لحم الدجاج بالأسواق رغم توفر الطيور بالمداجن، وهذا جعل المربين يحتفظون بقطعانهم إلى ما بعد العمر الاقتصادي للتسويق، ما زاد من خسارتهم، إضافة إلى عجز مربي الأمّات في معظم الحالات عن نقل البيض المخصب إلى المفاقس ونقل الصيصان إلى مزارع الإنتاج.
وشدد قرنفلة على ضرورة تسهيل توفير حاجة القطاع من المواد العلفية ومستلزمات التدفئة من مازوت وغاز، ومنح مرونة في عملية تسعير منتجات الدجاج بما يحقق مصلحة المنتج والمستهلك معاً، ودعم صادرات الدواجن ضمن خطة دعم الصادرات لدى هيئة تنمية وترويج الصادرات، وتشجيع إقامة شركات إنتاج كبيرة تحقق اقتصادية أعلى من الإنتاج وتخفض تكاليفه حيث لا تزال الحيازات الصغيرة أقل من 10000 طائر تشكل أكثر من 87٪ من إجمالي حيازات المربين.
صعوبات
وذكر قرنفلة أن صعوبات القطاع تتمثل في انعدام التناسب بين نسب ارتفاع أسعار بيض الدجاج ولحم الفروج ونسب ارتفاع أسعار الأعلاف، حيث وصلت نسبة الزيادة بسعر الذرة الصفراء بين شهري كانون الثاني وأيلول عام 2021 إلى 109%، وبلغ متوسط نسبة الزيادة بأسعار كسبة فول الصويا للفترة نفسها 69%، بينما لم يتجاوز متوسط نسبة الزيادة بأسعار بيض المائدة 45% للفترة ذاتها، علماً أن ارتفاع أسعار المواد العلفية أدى إلى رفع نسبة مساهمة قيمة الأعلاف إلى 95% من إجمالي تكاليف الإنتاج، إضافة إلى تحكم قوى العرض والطلب بتحديد أسعار مبيع منتجات الدجاج في الأسواق، وأيضاً ضعف القوة الشرائية للمستهلكين.
إجراءات إسعافية
وأضاف قرنفلة: للحد من وقف خروج المزيد من المربين من حلقات الإنتاج وتراجع المطروح بالأسواق من منتجات الدجاج يتطلب من الحكومة اتخاذ إجراءات إسعافية سريعة تتمثل في: توسيع دور المؤسسة العامة للأعلاف بتوفير حاجة القطاع من الأعلاف وبأسعار التكلفة خلال المرحلة الراهنة، إضافة إلى منح قروض من دون فوائد للمربين المتوقفة مداجنهم عن العمل والتي تحتاج إلى ترميم أو تجهيز لإعادتهم إلى حلقات الإنتاج وتبسيط عمليات الحصول على القروض، كذلك تسهيل الحصول على المازوت والفحم الحجري لمربي الدواجن خاصة مع حلول فصل الشتاء، والأهم المرونة في تسعير منتجات الدواجن ومتابعة التغيرات اليومية في حركة السوق.
ختاماً
وأخيراً نقول إنه من الضروري أن تسارع الجهات المعنية لإنقاذ هذا القطاع الحيوي والمهم الذي يعد المسؤول الأول عن توفير الأمن الغذائي للسوريين، لأنه في حال استمر الوضع بالسوء ذاته ربما تتحول سورية إلى بلد مستورد لمادتي البيض والفروج.