المسكن عصيّ المنال على الفقراء.. الشراء محصور بالمغتربين والميسورين.. للادخار لا السكن
تشرين – وليد الزعبي:
بدأت الحركة العمرانية تتململ من ركودها في مدن عدة من محافظة درعا، فيما وتيرتها المتوسطة في الأرياف لا تزال على حالها، وعلى ما يبدو أن الحافز في المدن هو عرض عدد من مقاسم الأرض المعدة للبناء للبيع بعد أن كانت مجمدة لزمن طويل ضمن أحياء مأهولة بكثافة ومضى على دخولها التنظيم أكثر من ثلاثين عاماً، والمثال الأبرز يأتي من مدينة درعا، لكن بالنظر للأسعار، فهي حسب ما يروج باهظة جداً ولن يتمكن من تحملها إلا فئة قليلة هم من المغتربين والميسورين، وذلك نتيجة ارتفاع قيم الأرض ومستلزمات مواد البناء ونسب الأرباح التي يضعها تجار البناء.
ويرى متابعون أن مثل هذه الأبنية السكنية لن تسهم في حلحلة ضائقة السكن أبداً، وستضاف في معظم شققها إلى عداد ما يملكه أولئك المغتربون والميسورون الذين يشترون أغلبها، ليس لغرض السكن بل لغرض الادخار أو إبقائها لفترة ومن ثم بيعها من باب المتاجرة بها للتربح من ورائها.
ما الجديد؟
على ما يبدو أن مقاسم الأرض التي بدأ بيعها مؤخراً في مدينة درعا كانت مجمدة، لأن مالكيها، خاصةً من الميسورين، لم يفرطوا بها مبقين عليها حتى يحتاجها أبناؤهم فيبنون عليها بيوتاً سكنية لهم، لكن بعد أن قضى الآباء أجلهم وهاجر معظم الأبناء هان على الأخيرين بيع تلك التركات، خاصةً أنها بأسعار مجزية لمواقعها المميزة المرغوبة بالسكن، لأن محيطها مأهول ومنطقتها تحوز كل الخدمات على غير الأحياء حديثة التنظيم، أضف لذلك أن بعض المالكين يتوقعون ألا تبقى أسعار المقاسم السكنية على حالها، وقد تنخفض مع توزيع مقاسم المنطقتين التنظيميتين المقررتين في حي الكاشف الشمالي وفي حي المفطرة.
مقاسم تنظيمية متروكة منذ عقود لاقت طريقها للبيع والبناء
أمثلة جلية
“تشرين” تابعت واقع حركة البناء في مدينة درعا، ولاحظت أنها نشطت بشكل ملحوظ منذ حوالي الشهرين ضمن حي الكاشف الذي يحوز مقاسم أرض معدة للبناء منذ سنوات طويلة، وهي في مواقع مميزة يطل بعضها على حدائق أو على شارعين (سوكة) بينما يتوضع بعضها الآخر على طرق تجارية، ما يمكن من البناء التجاري عليها، لاسيما أقبية ومحال في الطابق الأرضي ومكاتب في الطابق الأول فني ومن ثم مكاتب أو شقق سكنية في الطوابق العليا، وفي حيي السبيل والقصور الحالة نفسها، وإن بوتيرة أقل، حيث يجهد تجار البناء للظفر بمقاسم الأرض المشابهة والمنفردة وعندما يتلمسون رغبة البيع عند أصحابها يقبلون على شرائها، وفي حي شمال الخط نشطت ظاهرة شراء عقارات مبنية من القديم لطابق أو اثنين، حيث يتم هدمها ومن ثم إنشاء أبنية مكانها، وأغلبها بصفة تجارية، والمحفز على المحاضر التجارية في الأحياء السكنية هو تأخر تفعيل السوق التجاري المركزي ضمن حي المحطة في مدينة درعا في الكثير من أجزائه، ما يجعل الحركة التجارية تتمركز في مثل تلك الأحياء السكنية الآنفة الذكر.
تكاليف مهولة
إذا تمعنت في الأسعار، فهي للمتر المربع الواحد من الأرض نحو ٥ ملايين ليرة تقريباً قد تقل أو تزيد حسب الموقع، والمبيع في البناء للطابق الأرضي أو الأول فني على الهيكل (العظم) بنحو ٥ ملايين للمتر المربع الواحد، وكلما ارتفعت بالطوابق التالية ينخفض السعر إلى نحو ٣٧٥ ألف ليرة للمتر، ولا يرى تجار البناء أي فحش أو استغلال بتلك الأسعار، إذ إنها ناتجة عن تضخم أسعار مواد البناء من حديد وإسمنت وبحص وبلوك، وكذلك ارتفاع أجور العمالة وقيم الترخيص لدى البلديات وأتعاب رسم المخططات الهندسية لدى نقابة المهندسين، وهناك حالات محدودة يتم الاتفاق فيها بين مالك الأرض وتاجر البناء على يقدم الأول الأرض فيما يقوم الثاني بالبناء عليها، والبناء الناتج على الهيكل يتم تقاسمه مناصفةً، وكل منهما يتصرف بما يخصه كيفما يرغب.
من يشتري؟
بالنظر إلى تلك الأسعار فإنها تستعصي حتى على العاملين بمهن حرة ممن يكيفون دخلهم بشكل تلقائي كلما ارتفعت تكاليف المعيشة، فكيف بذوي الدخل المحدود الذين تعجزهم لقمة عيشهم وأسرهم؟
بمعنى أن اقتناء منزل لا يزال في عداد المستحيلات بالنسبة لهم، وهو ما سيبقيهم رهن المعاناة من جور الإيجارات العالية والتصاعدية والتهديد بالإخلاء من حين إلى آخر، وما يرتبه ذلك من معاناة أشد لدى البحث لإيجاد منزل آخر بأجر محتمل، وأمام ذلك فإن من يشتري بتلك الأسعار المهولة هم المهاجرون الذين لم تفرق الأمور معهم شيئاً، لأن تضخم الأسعار عندنا رافقه تضخم بدخلهم في الخارج نتيجة فارق صرف العملة، أضف إليهم ميسوري الحال ممن في الداخل ولديهم أراضٍ زراعية كبيرة واستثمارات مختلفة.. إذ إن دخلهم لم يتغير، كما أن هناك البعض ممن استفاد من ظروف الحرب والأزمة واكتنز من المال الكثير بطرق لا يعلمها إلا الله.
لا تزال خجولة
من جهته، ذكر رئيس فرع نقابة مقاولي الإنشاءات في درعا شحادة الطلب أن الحركة العمرانية لا تزال خجولة، حيث إنها ولو تململت بشكل محدود هنا وهناك لكنها تبقى بمستويات منخفضة، ولا تشكل جبهات عمل واسعة تمكن المقاولين من العمل بالشكل المناسب الذي يحقق لهم ريعية معقولة ويمكنهم من استمرارية تشغيل عدد جيد من الأيدي العاملة، مبيناً أنه يمكن أن تنشط تلك الحركة عندما يتم توزيع مقاسم المنطقتين التنظيميتين الجديدتين بشكل أفضل ولو قليلاً، خاصةً أن تحرك البناء مرهون بالشراء وبما أن تكاليف البناء مرتفعة فإن قدرة عامة الناس على الشراء تبقى محدودة.
لا عقود مع المقاولين
وأشار رئيس فرع النقابة إلى أنه تمت في شهر آب الماضي مراسلة محافظة درعا للتأكيد على البلديات ضرورة مراجعة فرع نقابة المقاولين لإجراء عقد المقاولة اللازم، وذلك عطفاً على كتاب رئاسة مجلس الوزراء رقم ١١٢٠٣/ ١ تاريخ ١٣/ ٨/ ٢٠٢٣ واستناداً إلى تعميم وزارة الإدارة المحلية والبيئة رقم ٢٠٠/ي/م/ج تاريخ ٢٠ من الشهر نفسه الموجه للمحافظين، حيث إن هناك الكثير من الأبنية المرخصة تشيد من دون الرجوع إلى الفرع، ما يشكل مخالفة للأنظمة النافذة.
خجولة وإن “تململت”.. نشاط الحركة العمرانية رهن انخفاض التكاليف وتوسع التنظيم
توسع التنظيم
رئيس مجلس مدينة درعا المهندس أمين العمري ذكر أنه بناءً على أحكام القانون ٢٣ لعام ٢٠١٥ الخاص بالتنظيم العمراني، وبعد صدور المرسوم ١٤٠ في شهر حزيران من عام ٢٠٢٣ القاضي بإحداث منطقة تنظيمية في حي المفطرة ضمن مدينة درعا، انتهت أعمال اللجنة الخاصة بالتقدير البدائي وأعمال اللجنة التحكيمية ( لجنة حل الخلافات)، وجرى تشكيل لجنة التوزيع الإجباري، وهي حالياً في طور عملية التوزيع الإجباري للمقاسم ضمن المنطقة التنظيمية المذكورة أعلاه على المواطنين.
وبيّن العمري أنه بالنسبة للمنطقة التنظيمية الثانية الواقعة في حي الكاشف الشمالي، فهي قيد إعداد وتجهيز المعاملة الفنية ليصار إلى أخذ موافقة الوزارة على المخططات، علماً أن المنطقة التنظيمية الأولى تتيح ١١٣٠ مقسماً سكنياً وهناك نسبة ٥% للسكن الشعبي، والمنطقة الثانية تتيح حوالي ١٣٠٠ مقسماً سكنياً.
انعكاسات إيجابية
ولفت العمري إلى أن التنظيم الجديد له انعكاسات إيجابية عدة، تتمثل بالحدّ من المخالفات العشوائية والمساهمة بخفض أسعار المقاسم المعدة للبناء وحل ضائقة السكن إلى حد ما، إضافةً إلى تحقيق إيرادات للبلدية، وقد لاقى هذا التوسع بالتنظيم ارتياحاً كبيراً بين الأهالي لكونه يأتي تلبية لمطالبهم التي طالما تكررت على مدار عدة سنوات سابقة.