كثيرة هي الهوامش التي نشير من خلالها إلى أن الأجيال التي أرّخت الألفيةُ الثالثة لتاريخ ميلادهم كأفراد لا يعنيهم “الكتاب” بأي شيء، ثم ننقل تلك الإشارات إلى مستوى التهم العلنية الموجهة إلى الجيل الشاب بالعام، والخسائر التي طالتهم، والمجتمعات التي يعيشون فيها، من خلال ابتعادهم عن المنجز الإنساني الذي ارتقى بسابقيهم إلى مستوى الثقافة بتعدد أنساقها المعرفية والسلوكية، ليكونوا أعضاء فاعلين في الجانب الإيجابي من حلبة الصراع التي تقسم العالم – في كل العصور- إلى فريقين متناحرين في جميع مجالات الحياة، من دون أن نقترب من موضوعية السؤال عن الأسباب، وكأننا بذلك نحاول أن نداري موتنا، أو نحاول وأد الجيل الشاب بالتهم التي تجعل الفارق الزمني بيننا يأخذ دور الهوة التي لا يمكن تجاوزها، وذلك من خلال الابتعاد عن الإجابات المعاصرة المدونة على شكل وقائع وتفاصيل يومية تجعل من السابق في ذمة التاريخ.
الجيل، أي جيل، مرهون بثقافة جدلية مع عصرة وهذا –في حد ذاته- يبرر الصراع التكاملي بين الأجيال الذي يكون دائماً هو المحفز الأقوى لتجاوز المألوف بسلاسة بعيدة عن سيلان الدم الثقافي، المعرفي، الجسدي، لأي طرف من الأطراف، شرط أن يكون المتنازعون على سيادة الثقافة بفروعها الكونية أو المحلية قادرين على إيجاد أجوبة تبرر للآخر وجوده وسلوكه ومنهجية تفكيره الأصيل أو المبتكر الإبداعي على حد سواء، ما دامت تلك المنهجية تحمل في غايتها القصوى الارتقاء ببني البشر بعيداً عن الأنانية الفردية.
هل الجيل الشاب هو فعلاً داخل التهم التي تدور حول محور الاستهتار بالسابق الثقافي المدون منه، أو المكتسب الشفوي على حد سواء، إذا كان الجواب بـ”نعم”، فإننا أمام كارثة سوف تطول الهوية القومية والوطنية لجميع المجتمعات فوق وجه البسيطة، وسوف يغدو إنسان المستقبل مجرد شاة تقودها أموال العولمة إلى مبتغاها من دون أي رادع من أحد، أما إذا كان الجواب يحمل بأجنحته “لا” النافية، فسنكون مطالبين – وبعيداً عن التهم الجاهزة – بخلق أسئلة تستطيع أن تحلّق بالأجيال السابقة واللاحقة إلى عمق ما سوف تأتي به “لا” الناهية في حال تم الاعتراف بها كأداة قادرة على فرز الغث عن السمين في حياتنا اليومية والمستقبلية، وبذلك سنكون مطالبين أيضاً بالاعتراف بأن هناك ثقافة جديدة بات الجيل الشاب يقيم معها تلك العلاقة الجدلية -آنفة الذكر- بمنتهى الكفاءة، والمسؤولية الحقيقية لا تستوطن باجترار “ألف ليلة وليلة” عن ظهر قلب، بل باستثمار كفاءات الأجيال الشابة لإعادة بناء أسسه الرمزية بما يتناسب مع ذائقتهم المنتقاة من الضرورات الملحة لتمسك بالهوية الثقافية كشركاء عالمين بالثقافة الجديدة، وبالقليل من المتابعة سوف نلمس مثل تلك المبادرات الشائقة للجيل الشاب، وسوف نلمس بأن هذا الجيل الفتي يتابع المنجزات الإبداعية بشقيها الإنساني والعلمي بطموح وهِمّة توازي سابقيه، بفارق أن سرعة الزمن، وكثافة التطورات، جعلته قارئاً، ومتابعاً انتقائياً بجدارة عبقرية، تجعلنا نظن -نحن أبناء ثقافة الحرب الباردة- بأنه غير معني بسلالات الكتب التي توفرها المطابع الحديثة على مدار الساعة.