جماهيرنا الكروية نفد صبرها والمطلوب المحاسبة
بكل المعايير لم يفهم بعد جهابذة الكرة أن ما حصل لمنتخبنا بكرة القدم ليس بالأمر السهل أو المعقول، وأن خسارتنا أمام إيران بثلاثية قاسية هي خارج المعقول إلى درجة أن الصبر وصل بجماهيرنا الكروية لدرجات لا تحتمل ولا توصف بكلمات أو عبارات، وليس لديه إلا أن يردد المثل الشعبي القائل: «لقد طفح الكيل وبلغ السيل الزُبا ولم يبق في قوس الصبر منزع».
منتخبنا الذي يلعب حالياً في التصفيات الآسيوية المؤهلة لمونديال قطر 2022 لعب حتى الآن ست مباريات خسر في أربع وتعادل باثنتين، لن ندخل في تفاصيل المباراة التي خسرها أمس أمام نظيره الإيراني, والتي أشعلت الشارع الكروي ما أجبر اللجنة المؤقتة لتسيير الأمور في اتحاد الكرة إلى حل الجهاز الفني والتدريبي والإداري كإجراء مؤقت لامتصاص نقمة الشارع الكروي الذي آلمته النتيجة والأداء الهزيل والمستوى المتواضع لمنتخبه في هذه المباراة لأنه لاشيء فيها يسجل لمصلحة المنتخب لا هجوماً ولا دفاعاً ولا تكتيكاً، والنتيجة أنهم خرجوا بلا احترام الجمهور الذي تابع المباراة عبر النقل التلفزيوني وشاهد المهزلة الكروية تحت عنوان: «إذا لم تستحِ فافعل ما شئت».
من السهل أن يجد القائمون على كرتنا أعذاراً لتغطية أخطائهم وعجزهم وفشلهم في هذه المباراة لكنهم حتماً سوف يستمرون فيها، ولن يعرفوا كيف يتخلصون منها، لأنهم لم يعترفوا بها أولاً، ويكشفون مسبباتها الخارجة عن إرادتهم، والأسباب التي يتحملونها كمسؤولين ثانياً، وقبل ذلك يدركون أن تسويغ الخطأ باعتذار ليس هو الهدف في حد ذاته، لأن ما حصل لا مكان فيه لمثل هذه الأعذار, وقد يسيء الكثير لأنفسهم حين يغطون أخطاءهم بأعذار واهية، تقودهم إلى خطأ آخر يخفيها، لينطبق عليهم المثل القائل: «عذرٌ أقبح من ذنب»، ولو بذل القائمون على اللعبة قبل الوقوع في الخطأ الوقت والجهد في سبيل الارتقاء بمنتخبنا لكان أفضل بكثير الآن من التسويغ، لكن وللأسف بات استخدام هذه النزعة ضرورة مهمة يلجأ إليها في وقت الأزمات؛ لتتحول إلى ركن أساس في مسيرة كرتنا الطويلة وثقافة متوارثة في تفسيره لما حدث، ومن ثم يكون مدافعاً – وبشكل دائم- عن سلوكياته الخاطئة من دون أن يتقدم خطوة واحدة نحو تفادي الوقوع في الخطأ، لأنّه تعود اختلاق الأعذار وتسويغ الأخطاء.
فما فائدة الاعتذار إذا لم نملك القدرة على مواجهة الذات، ومن ثم إعلام الآخرين صراحة بالأمور التي قادتنا إلى الوقوع في الخطأ حتى يستفيد من يأتي من بعدنا من تجاربنا، وأن نملك القدرة على مراجعة وتقييم الأحداث، ومواجهة النفس بأسباب السقوط والعمل على شحن الهمم بعوامل أكثر إيجابية لا أن نسوغ ومن ثم ننكمش عن العمل لنجعله مخرجاً للهروب من تحمل تبعات المسؤولية، بدلاً من مواجهة الخطأ والتقييم والمراجعة على أساس القوانين التي لا تحابي أحداً، لأن ثقافة «التسويغ» تؤدي في الأغلب إلى التملص من المسؤولية.
لعل الكثير من المتابعين لتشخيص حالات الفشل في كرتنا لاحظوا تفشي ظاهرة «التسويغ», وعملية إسقاط اللوم على الآخر لتبرئة الذات، أياً كان ذلك «الآخر» سواء شخصاً بذاته أو ظرفاً حياتياً، ولعلّ ذلك أيضاً قد يكون من أهم أسباب التراجع والتأخر في الوصول بكرتنا إلى برِّ الأمان، حين نجعل من «الآخر» شماعةً للأخطاء، بدلاً من السعي وراء الحلول الناجعة ومحاسبة الذات.
وبعد ما وصلت كرتنا إلى الهاوية أليس من حق الجماهير الكروية الواسعة أن تطالب جهات تمثلها لمعالجة ما يحصل لسمعة كرتنا الكروية كاللجوء إلى مجلس الشعب لمناقشة قضية تلامس هموم الجماهير الرياضية وهي تشاهد منتخبها الأول يهوي صريعاً أمام المنتخب الإيراني بثلاثية وهو لا حول له ولا قوة، وهو المنتخب نفسه بلاعبيه المحترفين الذين كانوا قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى مونديال روسيا 2018؟.
ويبقى دور الجماهير الرياضية هو الأهم، لأنها ببساطة الأكثر تأثراً ولأنها تعرف أهدافها أيضاً، وتعرف ما تريده جيداً، ومؤمنة بأنهم ليسوا أقل من تلك الأمم الأخرى الناجحة كروياً، ومؤمنة أكثر بضرورة محاسبة المسؤولين الرياضيين المقصرين في عملهم والذين لا يعملون لإرضائها، وتلك الجماهير تعرف حقوقها أيضاً التي لا ترضيها تلك الشعارات الزائفة والحجج الواهية التي تطالبهم بالصبر، فلم يعد لديها الصبر الكافي، ولا القناعة الكاملة بأن القيادة الرياضية تعمل بشكل جدي، وتسير بالفعل على الطريق الصحيح الذي يضمن الوصول إلى تحقيق أهدافها بالوصول ولو مرة الواحدة إلى نهائيات كأس العالم.