حين استوليت على الأرض، لم أكن سوى فكرة أَمتّنُ لها بالوجود، ولم يكن الفشل المستمر الذي رافق حركة أقدامي على اليابسة سوى تأكيد على أن الفكرة تلك ناجزة بتفاعل فرضياتها الفيزيائية بعيداً عن ديمومة الرغبة بأن أكون نهراً ، أو فراشة، أو مدينة توئد بنّائيها بداخل أرقام تبرر للزمن تقلباته الانفعالية فوق صفحات التاريخ!.
– إذاً كان لا بدّ من تدوين الوقت ليغدو في المستقبل تاريخاً، فالساعة التي تفصل الفجر عن الليل، ستكون هي الأجدر بالمتابعة الوجدانية التي تخولك للسير وحيداً في أزقة «باب توما» المتخذة من الحناء ألوان حيطانها، ومن الندى تفاعلاته العفوية مع الطين لتكمل الفكرة طريقها في مقارعة الزمن داخل نسغ وردة حمراء سيقدمها لك «طفل شريد» مقابل كسرة خبز يأمل منها أن تكون حاجزاً أمام سره الذي يدعوه – بالعلن- لأن يكون مجرد فرضية تستجدي المارة للخروج من أنانية الأرقام!.
– بيني وبين دمشق امرأة، هي ليست حسناء بحسب المقاييس العالمية للجمال، ومع كل هذا لا تحتفظ برقم هاتفي، تظن نفسها بأنها خارج لعبة الأرقام، وأنا أظنها شارع بضفتين من حديد، لكننا نلتقي مع كلّ مساء على باب المدينة الشرقي، ونبدأ بالمسير إلى أن تطوقنا «حديقة القشلة» بمنقوشة من الزعتر البلدي، لندخل إلى الفكرة من صلبها الزمني: هي تحدثني عن أمهات ثكلى مررن من هنا بدموعهن البكر، وأنا أحدثها عن قسوة أحذيتنا عندما تنتحل الخطا لنتعقب معاً سيرة الأحجار المدفونة خلفنا من دون أن يكون لها أسماء، بائع الذرة الصفراء بصوته الأجش، وأصابعه النحيلة، وسترته المغبرة ببضع قطرات من الماء، لا يشبهنا، إلّا أن عربته الخشبية تبتسم لنا، وهي تدرك بأنها لا تحمل سوى اسم مستعار من إصرارنا على التوقف لمحاربة الزمن المخصص لعبور الأزقة الضيقة المرصوفة من الجانبين بعجائز يحاربون ألقابهم القديمة بعكاكيز عارية إلّا من الهذيان الأخير الذي يأملون منه أن يكون بانتظارهم بعد خطوة واحدة على أكثر تقدير، وبما أن للنوافذ – التي تحيط بنا – ستائر لمنع الذاكرة من أن تتداعى أمامنا، فسوف يكون من الغفران أن نودعها بضحكة غانية ولدت للتو من عبثية مواقع التواصل الاجتماعي في جيلها الرابع: هي؛ أيضاً، فكرة ناجزة لا تحتفظ برقم هاتفي الجوال!..