بانتظار التنفيذ .. مجلس الوزراء يوافق على رؤية “التجارة الداخلية” لتطوير القطاع التعاوني الاستهلاكي
قطاع اقتصادي كبير أشبه بالمنسي من التفكير الحكومي الذي يحمل الاهتمام والدعم, إلا في بعض القرارات والإجراءات تكاد لا ترقى في أهميتها ومضمونها المكانة التي يحتلها هذا القطاع ألا وهو القطاع التعاوني , أو ما يعرف بقطاع الجمعيات التعاونية الاستهلاكية التي يمتد عمرها لعشرات العقود تشكل فيها سنداً واسعاً لمؤسسات التدخل الإيجابي في تأمين حاجة السوق المحلية والجهات العامة بما يتوافق مع حجم الإمكانات المتوافرة لديها..
وفي صحوة تكاد ان تكون متأخرة للحكومة لمزيد من الاهتمام و الرعاية لتطوير هذا القطاع طلبت من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك مذكرة تفصيلية حول إعادة تنظيم القطاع التعاوني الاستهلاكي وكيفية تفعيل دوره في خدمة العاملين في الدولة والمواطنين على السواء وتفعيل هذه المهمة بما يحقق الغاية والهدف على المستويين الاجتماعي والاقتصادي ,وفق رؤية محددة تخدم المرحلة القادمة بكل تفاصيلها , وبدورها وزارة التجارة الداخلية وضعت تصورها ورؤيتها بشأن ذلك ووافقت الحكومة عليها , إلا أن التنفيذ مرهون بجدية وزارة التجارة الداخلية بعد أن شخصت واقع الجمعيات الفعلي ..
اعتراف مؤلم
وبالدخول إلى التفاصيل فإن وزارة التجارة الداخلية تؤكد أن واقع الإدارة الحالي للجهاز الإداري المختص بالعمل التعاوني لا يزال يغلب عليه الاضطراب وعدم التنسيق وغياب ثقافة العمل ضمن منظومة عمل واحدة , وأيضاً الافتقار إلى توظيف القدرات على التعامل مع تقنيات العصر فيما يخدم توجهات التطوير والتحديث للإدارة واعتبار الشفافية ضرورة لاعتماد معايير الاختبار المناسب للكفاءات الإدارية وفقا لاعتبارات موضوعية دقيقة وشفافة وليس للولاء و المحسوبيات التي أضرت بالعمل التعاوني وجاءت ببعض الذين ليس لهم ولاء ولا دراية أو معرفة بماهية العمل التعاوني فكانت الحصيلة هذا الخراب في العمل التعاوني وأدواته..!
نقاط الضعف
من هنا جاء طلب الحكومة بضرورة إعادة تأهيل وتطوير هذا القطاع بما يلبي طموحات المرحلة ولكن بعد عملية التشخيص والمعالجة وتحديد نقاط القوة والضعف ووضع رؤية يتم من خلالها تصحيح هذا الخلل والبداية في تحديد نقاط الضعف والتي حددتها الوزارة في أربع نقاط أساسية أولها : تشتت رأس المال والجهود المبذولة من قبل مجالس إداراتها حيث تعمل كل جمعية ككيان مستقل عن غيرها , والثانية تكمن في اقتصار دور الجمعيات التعاونية على عمليات الوساطة التجارية وتعمل كحلقة وصل بين المنتج والمستهلك , والثالثة تتضمن صعوبات تشغيلية ترتبط بالبيئة القانونية والتمويلية التي تحكم القطاع وهذه الصعوبات تسببت بجموده في ظل غياب الرقابة وقدم القوانين النافذة المنظمة لعمل هذه التعاونيات, والرابعة تكمن في غياب الدعم المعنوي لهذا القطاع ويتبلور ذلك من غياب مفهوم العمل التعاوني لدى المواطنين , طالما غاب عن واضع الاستراتيجيات , إلى جانب مهم أن المواطن لا يهتم بشيء إلا إذا رآه على أرض الواقع ولامس احتياجاته الأساسية وعالج همومه ومشكلاته اليومية..
مواقع القوة
بالمقابل هناك نقاط قوة مهمة في هذا المجال أيضاً حددتها وزارة التجارة الداخلية بعد نقاط أساسية أهمها : حالة الانتشار الجغرافي الواسعة للجمعيات التعاونية الاستهلاكية في معظم المناطق بما فيها النائية وبالتالي يمكن استثمار هذا الانتشار بالقدرة على تقديم خدمات نوعية علما أن الجمعيات تمتلك أكثر من 457 فرعاً بعضها مقدم منح من قبل الجهات العامة الأمر الذي ساهم في تخفيض حجم نفقات وتخديم المساهمين فيها , وهذا بدوره يمكّن هذا القطاع من لعب دور الرديف لمؤسسات القطاع العام الاقتصادية من خلال المنافذ المنتشرة بالمحافظات..
ومن نقاط القوة أيضاً اعتبار خدمات القطاع التعاوني مجانية حيث لا تتحمل الخزينة العامة أية أعباء مالية نتيجة عمله , والنقطة الأهم أنه يجمع بين قدرات القطاع العام كقوة اجتماعية واقتصادية وبين مرونة القطاع الخاص ولديه الفرص والمرونة التي تمكنه التعامل مع المنظمات الدولية ..
سلبيات واضحة
لكن كل ذلك لن يمر بدون سلبيات تركتها الإدارات السابقة والتي أثرت سلباً على الأداء منها على سبيل المثال لا الحصر عدم الشفافية في عدد المساهمين من حيث الكم والاستمرارية , والمساهمين في الجمعية بعيدون كل البعد عن ممارسة الرقابة على المجالس الإدارية , إلى جانب ترهل الفكر الإداري لدى القائمين على بعض مجالس الإدارات حيث تعاني نقص كبير في الكادر اللازم لإدارة الجمعية وأن الجهاز الوظيفي يتكون بشكل عام من متقاعدين وموظفين جدد وإداريين ليس لديهم الخبرة والدراية الكافية بالعمل التعاوني ..
والأخطر في هذه السلبيات تربع أعضاء مجالس الإدارة لفترة طويلة من الزمن من خلال انتخابات شكلية مع غياب الكادر المؤهل والكفاءات المطلوبة لإدارة الجمعية.
ودون أن ننسى الجانب المالي والذي يعاني خلل كبير في هيكلية الموازنة من حيث رأس المال الثابت والعامل سنوياً , إلى جانب الآلية المتبعة في التسويق من حيث الكمية والنوع والسعر وما ينتج عنها من فساد , ومنح التجار بعض المنافذ للبيع بالأمانة بطريقة لا تحفظ حق الجمعيات بشكل جيد وغير ذلك من سلبيات تم تسجيلها على أداء القطاع التعاوني بكليته..
هكذا الحل..
وزارة التجارة الداخلية أمام هذا الواقع فقد وضعت رؤيتها واستراتيجيها لمعالجة واقع القطاع التعاوني بما يحقق العائد المادي والاقتصادي لجميع الأطراف حيث وافقت الحكومة على هذه الرؤية والتي تضمنت مجموعة محاور أهمها الجانب القانوني والذي يتضمن إعادة النظر في بعض مواد قانون التعاون الاستهلاكي الجديد قبل صدوره لتحقيق الأهداف التي انشئ من أجلها والغايات المستقبلية المرجوة من القطاع التعاوني وخاصة لجهة تحديد مدة مجلس الإدارة , وحقوق الجمعية العمومية في حجب الثقة عن مجالس الإدارات , إلى جانب حق الوزارة في حل مجلس الإدارة وتعيين بديل عنه بشكل مؤقت ممن تتوافر فيهم الشروط المطلوبة وفي حال وجود الأسباب الموجبة لذلك..
أيضاً من التعديلات الجديدة عدم احقية المساهم في شغل منصب عضو مجلس إدارة أو رئيس مجلس لأكثر من دورتين , إلى جانب التشدد بشروط الترشيح لعضوية أو رئاسة المجلس من حيث المؤهل العلمي والخبرة والنزاهة , والأهم تعديل آلية توزيع الأرباح الصافية على المساهمين وغيرهم ..
أما فيما يتعلق بالجانب الإجرائي فلا بد من تأهيل الكوادر العاملة في مديرية التعاون الاستهلاكي ودوائر التعاون في المحافظات بدورات متعددة لرفع مستوى الأداء الوظيفي والتسويقي , والأهم ضرورة الاطلاع على تجارب الغير فيما يخص العمل التعاوني في الدول العربية والأجنبية , وتوجيه الجمعيات لمواكبة التطورات الحاصلة في هذا القطاع , وفتح سجلات جديد للمساهمين مصدقة ومرقمة متضمنة اسم المساهم والعنوان ورقم الهاتف والرقم الوطني , وإقرار البطاقة التعاونية تمهيداً لاعتمادها في اجتماعات الجمعية العمومية , وإعادة النظر بهيكلية الموازنة من حيث رأس المال الثابت والعامل سنوياً..
لكن دون أن ننسى قضايا مهمة تتعلق في تنظيم عملية البيع بالأمانة بما يحفظ حق الجمعيات من خلال أعمال الأتمتة وضبط وتنظيم عمليات الشراء والبيع بالأمانة , ودراسة أوضاع الجمعيات المتوقفة والمتعثرة من أجل المساعدة والنهوض بها , والعمل على وضع قاعدة بيانات شاملة لكافة الجمعيات التعاونية المنتشرة على كامل جغرافية البلاد , إلى جانب توسيع مهام وصلاحيات مديرية التعاون الاستهلاكي في الإشراف والمراقبة والتدقيق لتشمل النواحي المتعلقة بعمل الجمعيات بما يضمن نجاح إدارة عمل القطاع التعاوني الاستهلاكي بشكل أكثر جدوى وشفافية ..
والاهم إعطاء مهلة زمنية للجمعيات المستفيدة من العقارات المقدمة من قبل الدولة لتسوية أوضاعها وفق الأنظمة والقوانين النافذة , ونقل ملكيتها إلى الوزارة او تأجير بعض العقارات المستثمرة التي ترى الوزارة جدوى انتشارها, الى جانب دراسة إمكانية استثناء الجمعيات من القانون رقم 60 للعام 2004 حيث ان المرسوم التشريعي رقم 55 للعام 2007 استثنى الجمعيات غير الربحية من القانون المذكور..
هذه الرؤية وضعتها وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أمام الحكومة ووافقت عليها , والتنفيذ بات مرهون بجدية الوزارة بتطبيقها وترجمتها على أرض الواقع ونحن جميعنا تواقون لرؤية ذلك على أرض الواقع..!؟