أخيراً أقر الأوروبيون أن لديهم «أعداء» مختلفين عن «أعداء» الولايات المتحدة، وأن أعداءها ليسوا بالضرورة أعداء لهم، وأن الولايات المتحدة لا يهمهما الدفاع عن الدول الأوروبية ضد «أعداء» لا تعتبرهم أعداءها.. وعليه بات من الضروري تقبل هذا الواقع والانطلاق نحو التعامل معه على أرض الواقع، مع الاحتفاظ بالوقت نفسه بالتعاون مع الولايات المتحدة ضمن حلف شمال الأطلسي “ناتو”.
وحسب وكالة «بلومبرغ» فإن الاتحاد الأوروبي يقترب من إنشاء قوة رد سريع مشتركة قوامها خمسة آلاف عسكري، على أن تكون جاهزة ومكتملة بحلول عام 2025، مشيرة إلى أن هذه القوة ستكون مخصصة «لحل كامل طيف المهام العسكرية لتسوية الأزمات» بما في ذلك مهام الإغاثة والإجلاء أو “لعمليات إحلال الاستقرار في محيط معاد”
ونقلت بلومبرغ عن المفوض الأعلى للسياسة الخارجية الأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل قوله: إن اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي المقرر في 15 تشرين الثاني الجاري سيبحث خطة إستراتيجية تركز على قضايا الأمن والدفاع، ومن المفترض أن تكون صيغتها النهائية جاهزة للتوقيع في شهر آذار المقبل.
وحسب مسؤولين أوروبيين، فإن نشر تلك القوة لن يتطلب إجماعاً من الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مشيرين إلى أن حلف “ناتو” سيبقى أساساً للدفاع المشترك، لكن “خصوم الاتحاد الأوروبي يجب ألا يشككوا في عزم الاتحاد الأوروبي على الرد على العدوان والأعمال الخبيثة ضد أي واحد من أعضائنا”.
وهنا مربط الفرس، حيث إن الأوروبيين بدؤوا يتحدثون عن خصوم الاتحاد الأوروبي وليس خصوم الولايات المتحدة أو الخصوم المشتركين.
اللافت أن الإعلان عن هذه الإستراتيجية يأتي قبل اجتماع مهم جداً لحلف “ناتو” على مستوى وزراء الخارجية تستضيفه ريغا، عاصمة لاتفيا، نهاية هذا الشهر، حيث من المقرر أن يبحث إستراتيجية دفاعية جديدة للحلف وفق ما صرحت وزارة خارجية لاتفيا.
ويعد هذا الاجتماع محورياً في ظل «التحول الكبير الذي يشهده ميزان القوى العالمي» حسب تعبير ينس ستولتنبرغ الأمين العام لحلف شمال الأطلسي «ناتو».. تماماً كما كان اجتماع الحلف في العاصمة ذاتها عام 2006 حيث كان العالم يشهد بداية هذا التحول، مع عودة روسيا، وبروز الصين، كقوتين على ساحة الفعل الدولي، وما رافق ذلك من تطورات كبيرة على الساحة الدولية على مستوى الدول وعلى مستوى تحالفات جديدة برزت، وتحالفات قديمة اتسعت وتعززت قوتها، ومنها تحالفات عسكرية تكاد تصبح أقوى من الولايات المتحدة وحلفها الأطلسي.
لكن اجتماع “ناتو” الجديد لا يبدو أنه سيجعل الأوروبيين أكثر اطمئناناً، ففي النهاية توصلوا إلى قناعة تامة بأن الولايات المتحدة في كل اجتماعاتها وخطواتها لا تهتم إلا بأمنها ومصالحها، وتثبيت نفوذها العالمي، لا بل إن الكثير من سياساتها هي ضد الأوروبيين وأمنهم، وبالتالي حان قوت العمل للفصل، ووضع الأمور في نصابها، وربما يشهد اجتماع ريغا بحث هذه المسألة، أي مسألة الاستقلال الأمني والدفاعي في قضايا الدفاع الذاتي من دون انتظار الولايات المتحدة.