فرنسا- بريطانيا: أعز الأعداء

يبدو أن المملكة المتحدة وفرنسا بصدد إعادة تحديد علاقتهما من جديد، خاصة أن البلدين كانا شريكين وثيقين ضمن الاتحاد الأوروبي، حيث يزور 12 مليون بريطاني فرنسا كل عام.

مع ذلك، وفي الوقت الذي يمكن أن يكون فيه الجيران مصدر صداقة ودعم، يمكن أن يكونوا أيضاً مصدراً للعداء واللامبالاة، كما هو حال بريطانيا وفرنسا.

هذا ما أشار إليه موقع «أتلانتيك» الأميركي في مقال جاء فيه:

إن العلاقات بين فرنسا والمملكة المتحدة، طويلة ومعقدة، وتشمل فتوحات وحروب وتحالفات عبر مراحل مختلفة من التاريخ.

بدأت العلاقات الودية بين فرنسا والمملكة المتحدة مع توقيع البلدين للاتفاق الودي عام 1904 وتحالُفهما ضد ألمانيا في الحربين العالميتين الأولى والثانية، إذ ساعدت الجيوش البريطانية في تحرير فرنسا من النازيين، ووقفت الدولتان معاً، خلال الحرب الباردة، مع الولايات المتحدة في سياساتها العدائية ضد الاتحاد السوفييتي، وكانتا من بين الأعضاء المؤسسين لحلف شمال الأطلسي (ناتو) التحالف العسكري الغربي بقيادة الولايات المتحدة.

في مفاوضات السلام بعد الحرب العالمية الأولى، اشتبه السياسيون البريطانيون في أن الحكومة الفرنسية تسعى لفرض شروط قاسية على ألمانيا حتى تصبح فرنسا القوة المهيمنة في أوروبا، مع ذلك وقفا جنباً إلى جنب ضد النازيين في أيلول 1939، ولعل قرار تشرشل بقصف البحرية الفرنسية في عام 1940 -لأنه لم يثق بالوعود الفرنسية-  أحيا الحقد القديم بين البلدين، ما تسبب في قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما حتى عام 1944.

لم يُعطِ الرئيس الفرنسي، شارل ديغول، ثقته للبريطانيين، لقربهم من الأمريكيين، ومَنع بريطانيا لسنوات طويلة من الدخول إلى السوق الأوروبية المشتركة “الاتحاد الأوروبي” وسحب ديغول أيضاً فرنسا من دورها النشط في حلف “ناتو” بحجة السيطرة الأمريكية الشديدة عليه، ولكن بعد وفاة ديغول دخلت بريطانيا للاتحاد الأوروبي، وعادت فرنسا إلى حلف “ناتو”.

بعد عام 1945 كان على المملكة المتحدة وفرنسا التكيف مع أوضاعهما المتناقصة على المسرح العالمي، لكن وبينما كانت باريس تعتقد أن التكامل الأوروبي من شأنه أن يعزز نفوذ فرنسا، رأت لندن أنه يمثل تهديداً لسيادة بريطانيا ومصالحها العالمية.

كما شكل حق النقض (الفيتو) الذي استخدمه شارل ديغول ضد دخول المملكة المتحدة إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية، في عامي 1963- 1967 نقطة سوداء جديدة في العلاقات بين البلدين، ما سلط الضوء على الفجوة في الرؤى البريطانية والفرنسية لأوروبا.

في السنوات الأخيرة الماضية، توثقت العلاقة بين البلدين بشكل كبير للغاية، وخاصة فيما يتعلق بمواضيع الدفاع والسياسة الخارجية، ثم جاء اتفاق أوكوس ليؤزم العلاقات من جديد.

وفي هذا السياق تحدث الكاتب الفرنسي جوزيه آلان فرالون عن العلاقةَ بين البلدين من خلال وصفه للبريطانيين بأنهم «أعز أعدائنا”.

حالياً هناك نزاع بين فرنسا وبريطانيا حول حقوق الصيد، حيث استبعدت أوساط سياسية أن تكون هناك بوادر انفراج قريب، خاصة بعد نفي لندن أي نية لخفض التصعيد في هذا الملف، بينما تشعر فرنسا بالغضب بسبب عدم منح بريطانيا تراخيص للصيد في مياهها منذ دخول بريكست حيز التنفيذ مطلع 2021.

يرى محللون أن التصعيد بين الدولتين جزء من نزاع أوسع بشأن الترتيبات التجارية لما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتي يمكن أن تعرقل سير التجارة عبر القنال الإنكليزي وتزيد من تقويض العلاقات البريطانية الفرنسية إذا خرج الأمر عن السيطرة.

بينما يبين محللون آخرون عدم وجود عداء بين البلدين بالمعنى الحقيقي، ولفت المقال إلى اتفاق أوكوس بين بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا، والذي يكشف مدى التشابه الجذري بين فرنسا وبريطانيا، ليس فقط فيما يتعلق بماضيهما الإمبريالي وسطوتهما العالمية، بل على صعيد أعمق مثل شعورهما بالاستثنائية وخوفهما من الاضمحلال، وبروز قوى أخرى سواء الولايات المتحدة أو ألمانيا أو الصين… ويبدو أن أوجه التشابه بينهما واضحاً سواء على مستوى قيادات البلدين أو إستراتيجيتهما السياسية أو نماذجهما الاقتصادية وحتى أعرافهما الاجتماعية… أما كيف؟ فالمسألة بحسب محللين سياسيين دليل واضح على انتهازية لندن وتفضيلها لعب دور ثانوي في شراكتها مع الولايات المتحدة، بدلاً من القيام بدورها الحقيقي ضمن فلك الاتحاد الأوروبي.

وترى بريطانيا أن رد الفعل الفرنسي الغاضب على اتفاق أوكوس يعكس شوفينيتها المستترة المعادية لأمريكا وتمسكها بعظمة زائفة ضائعة منذ زمن، وهي دليل على إستراتيجيتها الخبيثة لاستخدام الاتحاد الأوروبي وسيلة من أجل الوصول إلى هدفها باستعادة الأضواء العالمية.

من وجهة النظر الفرنسية لا يمثل اتفاق أوكوس خسارة “تعاقد القرن” لبناء الغواصات فحسب، بل تعتبر تهديداً لطموح باريس في أن تكون قوة مستقلة في آسيا والمحيط الهادئ، وعلاوة على ذلك فقد أزيحت باريس من الطريق على يد إدارة في واشنطن كان من المفترض أن تكون معادية لبريكست البريطاني وأميل نحو أوروبا.

لعل البلدين انتهجا إستراتيجيات متباينة لإرساء قوتهما، بيد أن كليهما هدف للإبقاء على عظمته ليس إلا.

بالنسبة إلى باريس تستند رؤية “فرنسا عالمية” إلى الاتحاد الأوروبي.. أما بالنسبة إلى لندن فتستند رؤية “بريطانيا عالمية” إلى خارج الاتحاد الأوروبي، وكلاهما منطقي لأن لديهما حدود واضحة متجذرة في علاقاتهما مع القارة الأوروبية، حيث فقدت فرنسا دورها القيادي الأوروبي لصالح ألمانيا، وتخلت بريطانيا عن محاولاتها لقيادة أوروبا، وعندما ترى المسألة من وجهة نظر محايدة ستدرك أن لكل من فرنسا وبريطانيا قدر من التشابهات يعادل الاختلافات بينهما.

عن موقع «ذا اتلانتيك»

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار