لا أحد يستطيع القول إن الصراع قد انتهى بين الحديث والقديم، بين التقليد والإبداع، لصالح أي طرف، وانتهى المشوار، بمعنى؛ أُغلق التاريخ بفوز سحيق حققه الطرف المنتصر على الآخر!..
– إذا أخذنا قول كارل غوستاف يونغ :”الاعتناق المخلص للحداثة، معناه الإفلاس عن طواعية واختيار” وأخضعناه نقدياً للجدل القائم بين التجديد والتقليد، سنصل إلى منطقة مواربة لخدمة غايات أخرى مضمرة بين سطور الخطاب، لكنها في الوقت ذاته تاريخية: فالإخلاص- بحد ذاته – هو صفة حميدة، ليس في تاريخ اللغة، وحسب، وإنما في صلب الذاكرة الجمعية، والتي بدورها تنتج الصفات بناء على رغبتها في الاستقرار الكابح لأي حركة قد تؤدي إلى تقلبات بنيوية لا تحمد عقباها من قبل القائمين التقليديين على حماية رغبة الأصل في متابعة الثبات، أما الإفلاس في حلته اللغوية ضمن ذاكرتنا، فلا يمكن عدّه من الصفات المستحبة، لكونه صنواً للهزيمة التي يمقتها أي طرف أثناء سعيه لتأكيد أحقيته في الريادة، وبالتالي فإن مؤسس علم النفس التحليلي العالم السويسري “يونغ” قادنا برأيه -آنف الذكر- إلى مفارقة كبيرة تجعلنا في شك دائم من أي مشروع تجديدي، لكون الإخلاص للحداثة – من وجهة نظره – ما هو سوى الإفلاس الطوعي من الأصل، بمعنى التخلي عن الهوية الأم، متجاهلاً بأن التطورات التي شهدتها البشرية، وانتصار الحداثة تاريخياً مرهون بتلك الركيزة، ولابدّ من الإشارة إلى أن مشروع الحداثة المعاصرة الحاضر في اللغة تحت اسم “عولمة” يماثل في استراتيجيته ما جاء به “يونغ” من دون الاعتماد على قدرة اللغة في تمويه الحقائق متى طلب منها ذلك، لكون العولمة في خطابها الآني تدعو بالعلن إلى التخلي عن الهوية الأصل لصالح الانتصار على القديم، ما يجعلنا في شك دائم من منجزاتها الحداثوية، هذا إذا ما جزمنا بأن مجمل المصائب المعاصرة جاءت من هذا الخطاب الذي عزز الصراع القائم بين القديم والحديث، واستطاع تعويم خطاب التطرف الدموي إلى أعلى مستوياته، ليغدو صفة تميّز عصرنا عن الأحقاب السالفة.
– يقول الفيلسوف الألماني فريديك نيتشه: أي سذاجة أن يقول المرء: هكذا، أو هكذا ينبغي أن يكون الإنسان. إنّ الواقع يطرح أمام أعيننا ثراء مدهشاً في الأنماط، ثم يأتي أخلاقانيّ بائس ليقول أمام كلّ هذا: ينبغي ألّا يكون الإنسان على غير هذا.