مُطالب في هذا الصباح أن أخاطبكم، أن أكتب إليكم، أن أنعي بحضوركم مئات الدموع التي تطوق أعناقنا بفتيل الحاجة، القهر، الفقدان، التعب، والخوف من غدٍ.. مطالب أن أكتب – كما حلمت في الليلة السابقة – عن فراشة تطارد الأزهار، وتدعوها للاستيقاظ من وسط الغيم الكئيب الذي يلف صباحتنا بالشح، ولا يجوز لي أن أسأل لماذا لم ينهمر المطر إلى الآن؟، مُطالب أن أعود إلى حضن أمي وأغمض عيني على ابتسامتها، أن أعود إلى ملاعب طفولتي لأهزم البرد بالجري خلف كرةٍ هَزم ثقبها الهواء بعد أن عفنته رعونة اليتم، مطالب أن أكتب قصيدة لفراشتي المراهقة، وهي تجر أصابعها النحيلة من خديها إلى طرف عينيها كلما نظرت إليها، مُطالب، ومُطالب، ومُطالب، ولا من شيء – في هذا العصر المريض – يشير أو يبشر إلى أن الفراشة سوف تتحول إلى حقيقة ولو بعد حين!.
لعلّ ذلك ضرب من المستحيل، لكننا مطالبون أن نقهر المستحيلَ، مطالبون أن نسير إليه بأكفٍّ خاوية، إلّا مما يخلفه دمعنا من بثور وحفر فوق مساحاتها التي مازلنا نعوّل على أنها سليلة الفراشة التي راودت نومي لتمنعي من قراءة النبأ العاجل المخضب بدماء أبرياء ليس لهم أي ذنب سوى أنهم أخلصوا لذاكراتهم لحلمهم المؤجل في زمن الجحود، قد يكون الحلم سبقهم إلى نهايته، ولربما رافقهم إلى الأبد، وهم يودعون أرواحهم تحت جنحي تلك الفراشة التي التقوا بها يوم كان للأزهار جمالاً بعيداً عمّا تروج له المقابر!.
– سلام لك يا دمشق.
-هي ليست حكاية، هي دمشق: ملحمة الصباح، لحن الأمهات، شريكة العشاق في يقظتهم، وفي الحلم هي بحيرة تُعزّز صفاء مائها برقصة سماح لأسماكها الصغيرة مع مطلع كل فجر.. هي دمشق، لحنها التاريخ الذي زيّن أسواقها القديمة، والحديثة بأصوات الباعة الذين أودعوا صغارهم في سرير من الأمل يتسع لنقطة حليب من النوع المجفف بالانتظار، هي دمشق الاسم الأول والأخير لكل ما أحببناه، هي الأنثى الناضجة، الطفلة التي لن تكف يوماً عن ملاحقة الفراشات في رباها البكر، هي الرجولة، وطموح السيف بأن يكون معولاً يشذب حدائقها من غرور الطفيليين، والمغرمين بالقتل وامتصاص الدماء .. هي دمشق الوردة الندية التي تطالب فراشاتها أن يوقظوا الفجر من قلب الحلم، حتى وإن كان مرقدة في حضن اليباس!.