بسرعة البرق .. 150 حاوية أقمشة مصنرة دخلت إلى السوق براً

الاقتصاد: لم يتم منح إجازة استيراد واحدة للصناعيين والتجار.. صناعيون: تجارة المخصصات الصناعية تدرّ مليارات الليرات على أصحاب ورشات وهمية

يبدو أن تجار الأقمشة « المصنرة» لم يطيقوا صبراً لحين إصدار قرار السماح باستيرادها بصيغته الجديدة، فأرباح المتاجرة بالمخصصات الدسمة جعلتهم يسارعون الخطا لإدخالها من دون معرفة إذا كان ذلك بضوء أخضر أم طمعاً بمزيد من المكاسب، لكن الأكيد أن حاويات كثيرة دخلت إلى السوق عبر البر، بدليل ضبط «جمارك حلب» كميات منها خلال الأيام القليلة الماضية، في مخالفة واضحة لبنود القرار الجديد، الهادفة إلى ضبط التجاوزات والمخالفات التي حرمت الخزينة من مليارات الليرات لصالح قلة قليلة من التجار، فأين الجهات المعنية من هذه التجاوزات، التي سيدفع ضريبتها المواطن والصناعي الحقيقي والاقتصاد المحلي عموماً؟.

مخالفات جديدة
«تشرين» علمت بدخول 150 حاوية تحوي أقمشة مصنرة وصلت إلى السوق على دفعات، حيث دخلت 4 حاويات من جديدة يابوس حسب مصادر خاصة منذ خمسة أيام، مع وجود أخرى كانت تنتظر على الحدود منذ شهرين بانتظار صدور القرار، وقد بدىء في طرحها تباعاً في السوق المحلية، ما سيتسبب في إغراقها بأقمشة قادمة من تركيا في ضرر كبير لصناعة النسيج المحلي والاقتصاد عموماً، يستفيد منه الاقتصاد التركي، ويزيد الطين بلة وجود مخالفات كثيرة فيما يتعلق بموضوع المخصصات لبعض الأشخاص من دون التأكد من قيامهم فعلاً باستخدامها بتصنيع ألبسة جاهزة تواكب الموضة وتعد للتصدير كما يروج داعمو قرار السماح باستيراد الأقمشة المصنرة، الأمر الذي يشير إلى وجود ورشات وهمية لبعض التجار بغية الحصول على المخصصات الصناعية بقصد المتاجرة وجني الأرباح الكبيرة.

حلٌّ توافقي
وللوقوف على حقيقة دخول كميات كبيرة من الأقمشة المصنرة بهذه السرعة إلى السوق المحلية بعد أيام قليلة من إصدار قرار السماح باستيراد هذه الأقمشة تواصلت «تشرين» مع رئيس اتحاد غرف الصناعة ورئيس غرفة صناعة حلب فارس الشهابي فقال: نتواصل مع الزملاء في اتحاد غرف الصناعة عبر لجنة النسيج المركزية في الاتحاد وأيضاً مع وزير الاقتصاد لحل كل الأمور العالقة بشكل يرضي جميع الأطراف ويضمن عمل كل حلقات الإنتاج في السلسلة النسيجية.
قرار جيد ولكن
كما التقت « تشرين» عدداً من الصناعيين في مدينتي دمشق وحلب لمعرفة كيفية دخول هذه الكميات الكبيرة من الأقمشة من دون التزام بالشروط المحددة في القرار لجهة الاستيراد بحراً ووجود لجنة تضم ممثلين من اتحاد غرف الصناعة والكشف الحسي، ما سيترك أثراً سلبياً على الصناعة عموماً والنسيج تحديداً، إضافة إلى التسبب في رفع جديد في أسعار الألبسة، التي لم يعد المواطن قادراً على تحمل أسعارها الكاوية، فكيف إذا لحقتها موجة غلاء إضافية، في حين المستفيد مجموعة من المستوردين فقط، وهو ما يشير إليه الصناعي عاطف طيفور الذي أكد دخول قرابة 150 حاوية إلى السوق المحلية بشكل مخالف بعد أيام قليلة من إصدار قرار السماح باستيراد الأقمشة المصنرة، الذي عدّه قراراً جيداً لكونه يسهم في تشغيل العديد من الورش والمعامل وينظم عمل المنشآت العاملة ضمن اقتصاد الظل، الذي بات يشكل 70% من الاقتصاد المحلي، مع مساهمته في منع الاحتكار ورفع نسب الإنتاج، لكن المطلوب تنفيذ القرار كما جاء في صيغته الجديدة، عبر إلزام المستوردين بإحضار البضاعة عبر الموانئ وليس عبر البر، فالبضاعة المدخلة عبر الحدود اللبنانية غالباً تكون من تركيا، وهذا أمر يجب ضبطه، مع ضرورة وجود ممثلين من اتحاد غرف الصناعة للتأكد من عدم وجود مخالفات وتلاعب في البنود الجمركية، وبالتالي تمرير أقمشة لها شبيه محلي.
تجارة المخصصات
وشدد طيفور على نقطة غاية في الأهمية بعدم منح المخصصات الصناعية إلا إذا كانت الورشة أو المعمل مستمراً في الإنتاج لمن يمنح هذه المخصصات، وذلك عبر الكشف الحسي باستمرار على منشآته مع وجود فواتير كهرباء أو مالية أو مسجل عماله في التأمينات على نحو يثبت أن المنشأة تعمل لفترة طويلة تزيد على عام وليس لفترة محددة فقط، حيث ثبت أن بعض التجار يقومون بشراء الآلات أو استئجارها وتركيبها في الورشة ويسجل عمالهم في التأمينات ليقوموا لاحقاً بفك الآلات وطرد العمال، وهذه صناعة وهمية هدفها المتاجرة بالمخصصات الصناعية لكونها تدر أرباحاً تقدر بمليارات الليرات.

ولفت طيفور إلى أن دخول هذه الكميات الكبيرة من الأقمشة المصنرة بلا ضوابط سيسهم في زيادة التضخم في الأسواق مع حصول ارتفاع جديد في أسعار الألبسة التي يعد سببها الأول بيع التجار مخصصاتهم ذات الربح العالي واحتكارهم السوق من دون محاسبتهم على فرض تسعيرتهم المضاعفة، مطالباً بضرورة تشميل الألبسة بنظام الرقابة التموينية غير التقليدية والتسعير وأن تطبق عليها الآلية المتبعة نفسها في تسعير بقية المنتجات، بحيث يراعى في التسعير السلسلة الإنتاجية لتصنيع الألبسة ومعرفة تكاليف إنتاج كل مرحلة بدقة ووضع تكاليف الهدر والأرباح وخاصة عند معرفة أن نسبة أرباح تجار ألبسة تفوق 400-500% من تكلفة تصنيعها، وهذا أمر تجب معالجته حمايةً للمستهلك والخزينة معاً، مطالباً لضبط هذه التجاوزات بتطبيق حرفي لنص القرار رقم 790 وتنفيذ الشروط التي حددتها وزارتي الاقتصاد والصناعة بدقة، مع ضرورة إلزام التجار بإشعار بنكي منعاً لتداول هذه المخصصات أسوة بإشعار السيارات والعقارات لضبط السوق وضمان حق الدولة.
وهو أمر يوافقه عليه رئيس قطاع النسيج سابقاً وعضو غرفة صناعة دمشق وريفها د.أسامة زيود الذي شدد على ضرورة تنفيذ بنود القرار بحذافيره عبر استيراد الأقمشة المصنرة غير المنتجة محلياً عن طريق المرافئ البحرية باعتبار أن 90% من الأقمشة القادمة من الحدود اللبنانية تكون من تركيا، حيث تتولى شركات وهمية في لبنان تزوير بيانات البضاعة، أو أحياناً تكون ألبسة جاهزة مستوردة من الصين ويكتب عليها « صنع في سورية»، مشيراً إلى أن دخول قرابة 150 حاوية أقمشة مصنرة إلى السوق المحلية ستلحق ضرراً كبيراً على صناعة النسيج وخاصة عند العلم أن جميع محتويات الحاويات غير مطابقة للمواصفات ومخالفة لكن المخلّصين الجمركيين لعبوا لعبتهم وقاموا بالتلاعب بالبنود الجمركية، وهذا الأمر قد لا يحدث عند الاستيراد بحراً، مطالباً الجمارك بالتدقيق في بيانات البضاعة الموجودة والتحقق من عملية التزوير الحاصلة، مناشداً في الوقت ذاته إدارات الجمارك والتموين والمالية متابعة موضوع مستوردي المخصصات من لحظة استيرادها إلى إنتاجها إلى بيعها للتأكد من أنها لم تبع كمخصصات وإنما صنعت وأنتجت لدى صاحب المخصصات، حيث أثبت للأسف وجود الكثير من الورشات الوهمية التي يهدف أصحابها من إنشائها المتاجرة بالمخصصات لا أكثر ولا أقل.
ولفت زيود إلى أن المصدّرين أيضاً لهم إجراءات مرعية من أجل التصدير كالإدخال المؤقت ، لكن للأسف لم يؤخذ بها إلا بعد ٢٠٢٠ عندما تم كشف وجود شركات وهمية مع بيانات وكميات وهمية، بغية بيع المخصصات، وهذا الواقع بات معروفاً ومكشوفاً، علماً أنه جرى تفاديه بهدف إيقاف الفساد وهدر المال العام لصالح أشخاص محددين عبر وضع ضوابط معينة بقرار رقم 790 لكن للأسف تبين أنه بعد إصداره دخول 150 حاوية من الأقمشة المصنرة ستغرق الأسواق بالمنتجات التركية على حساب الصناعة المحلية، التي يفترض حمايتها أسوة بجميع دول العالم بدل تشجيع المستوردات ومنتجات الدول الأخرى، مشيراً إلى أن بيع المخصصات تسبب في غلاء الألبسة، فمثلاً بيجامة رياضة تباع بين 150-180 ألف ليرة بينما لا يتجاوز سعرها في حدها الأقصى 80 ألف ليرة بسبب احتكار بعض المستوردين وتضييق الخناق على صناعة النسيج، علماً أن كيلو القماش يبلغ 26 ألف ليرة وتكلفة الخياطة في حدها الأعظمي «السوبر» 12 ألف ليرة أي بحدود 38-40 ألف ليرة، إضافة إلى 40-45% للبيع المفرق أي بحدود 6 آلاف، فلماذا تباع بهذا السعر المرتفع؟، وأين حماية المستهلك من هذه المخالفات؟، متسائلاً: لماذا سُمح للتجار بالاستيراد ولماذا لم تحدد بالصناعي لكونه يملك سجلاً تجارياً وصناعياً، ولماذا استمر في منح المخصصات التي أثبت أنها فتحت مجالاً كبيراً للفساد، الذي يغلق عند تطبيق ما تم الاتفاق عليه مع وزارتي الصناعة والاقتصاد وتطبيق بنود وشروط قرار 790 بالتفصيل وبدقة.
تطبيق القرار
مجد ششمان عضو اتحاد غرف الصناعة أكد أن دخول حاويات الأقمشة المصنرة بهذه السرعة أثار جدلاً وضجة نظراً لحساسية هذا الموضوع بقوله: تفاجأنا بسرعة دخول حاويات الأقمشة المصنرة إلى البلاد، ما أثار تخوفاً لدى الصناعيين من دخول هذه الكميات الكبيرة لكونها تؤثر بشكل أو بآخر في الصناعة النسيجية.
وطالب ششمان بتطبيق القرار الصادر ٧٩٠ الصادر عن وزارة الاقتصاد من جهة التدقيق في الطريقة التي دخلت فيها البضاعة إلى السوق، فهل دخلت من البر أو البحر؟، وهل كان هناك تدقيق إذا كانت نوعية الأقمشة التي دخلت لا يوجد منها إنتاج محلي أم مخصصات صناعية، وهل كان هناك التزام بالشروط المحددة في قرار السماح باستيراد الأقمشة المصنرة لجهة وجود لجان متخصصة تضم فيها ممثلين من الغرف الصناعية لمراقبة ومعرفة نوعية الأقمشة الداخلة إلى السوق المحلية؟.
ولا إجازة استيراد

مع دخول حاويات الأقمشة المصنرة إلى السوق المحلية بعد أيام قليلة من إصدار قرار السماح باستيرادها حاولنا تبيان صحة هذه المعلومات التي أشار إليها الصناعيون من وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، وهو أمر نفاه معاون وزير الاقتصاد بسام حيدر بتأكيده أنه لم يتم منح إجازة استيراد واحدة للصناعيين والتجار بموجب قرار السماح باستيراد الأقمشة المصنرة رقم 790 حتى الآن على اعتبار أنه سُمح للتجار والصناعيين باستيراد هذه الأقمشة، في المقابل لم تمنح وزارة الاقتصاد منذ ثلاثة أعوام وتحديداً منذ شهر نيسان لعام 2019 أي إجازة استيراد لأي تاجر على الإطلاق بموجب القرار رقم 364 الذي حصر الاستيراد بالصناعيين فقط.
الجمارك تحسم
كما تواصلت “تشرين” عبر الهاتف مع أمين جمارك جديدة يابوس رامي فرح الذي أكد دخول حاويات الأقمشة المصنرة فعلاً إلى السوق وذلك بموجب القرار رقم 364 لعام 2019 الذي سمح للصناعيين استيراد الأقمشة المصنرة وأيضاً مع صدور القرار الجديد، مشدداً على أن الحاويات هي لصناعيين وليس لتجار بموجب إجازات استيراد ممنوحة من وزارة الاقتصاد.
وعند سؤاله أن القرار الجديد الصادر من وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 790، صدر لتلافي ثغرات القرار السابق وخاصة لجهة استيراد الأقمشة المصنرة من البحر فقط وليس البر بغية إغلاق بعض التجاوزات الحاصلة، أشار فرح إلى أن القرار الجديد أجاز للصناعيين الاستيراد من البر بموجب المادة الثانية من القرار التي تنص على السماح لهم باستيراد مادة الأقمشة المصنرة بالنسبة للصناعيين وفق مخصصاتهم المعتمدة من قبل مديريات الصناعة.
ولم ينكر أمين جمارك جديدة يابوس وجود بعض المخالفات في الحاويات عبر تغيير بعض البنود الجمركية لبعض الأقمشة المسموح باستيرادها، وقد تم تغريم المخالفين من دون تحديد قيمة الغرامات.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار