هيّئوا «عبّوطاتِكم»..!

كتبتُ مرة في دفتر مذكراتي: أتخيّلُ النحاتَ “مايكل أنجلو” ماسكاً مطرقتَه وإزميلَه جاثياً فوق تمثاله الأشهر«موسى» لكنه يفكّر: من أين سيؤمّن إيجار منزله، بدلاً من التعمّق في استنطاق كينونة الحجر! وتتناسل أخيلتي لأشاهد في مرآة عقلي النحات «أوغست رودان» هو الآخر وقد وضعَ لمساته النهائية على تمثاله الخالد «المفكّر» جاعلاً إياه مُطرِقاً مهموماً بأمورٍ معيشيّة بدلاً من علامات الحيرة الفلسفية والقلق الوجودي التي أحنت ظهره وأثقلت رأسه…هل كان بإمكان النحاتين العبقريين أن يخلدا في تاريخ الفن وهما لاهثان خلف تفاصيلَ حياتية من هذا النوع؟!.”
آخ يا مايكل آنجلو يا صديقي… تخيّلْ نفسكَ ضارباً «قُريشاتِ» راتبكَ بـبقايا مدّخرات «مطموراتك»، «حائصاً/لائِصاً»، ورائحاً/غادياً من مكان إلى آخر لتأمين لقمة أولادك، وأقساط روضاتهم، وتكاليف طبابتهم، وعلاج أسنانك وأسنان زوجتك؛ إذ مِنْ غير المعقول أنْ تحظى أنتَ أو تماثيلك الأحبُّ إلى قلبك بـ«فكّ تِكساس» الذي يتغنّى به ممثلو العالم وألّا تتنعّمَ حرمُكَ المصون بـ«ابتسامةِ الموناليزا» الخالدة أو بـ«لمعةِ الفينير الهوليووديّة»التي تلمعُ مثلَ سيوفِ عنترة العبسيّ ساعةَ الوغى!.
ويا ويحَ قلبي عليك يا عزيزي المسكين «رودان» كيف كنتَ ستبدعُ ما أبدعتَه لو كنتَ تحاربُ لتنجو من أفخاخ الحياة وذئابِ الفساد، و”تشهقْ ولا تلحقْ” لكيلا تحوّلك الأيامُ أنتَ و”بنات أفكارك” إلى تماثيلِ شمعٍ تذوبُ تحت نيران الغلاء وحِمَمِ النفوس الجشعة! وهل كان وجهُ حبيبتك “كامي كلوديل” ليصبحَ رمزَ حُبِّكَ الأبديّ فيما لو كان تشوَّهَ بتغضّناتِ الفقر و«التعتير» و«الشنططة» في باصات الجحيم المتحرّكة؟!
بالتأكيد «ليسَ بالخبز وحده يحيا الإنسان», برغم أنه لا يمكنُ حتى للمحبين أن يحبَّوا بعضهم البعض بمعداتٍ خاوية وأضلاعٍ يابسة وابتساماتٍ كالحة، لذلكَ سنجعلُ أقصى آمالنا أنْ نجدَ «عبّوطةً» تحمينا من شرور أنفسنا أولاً، ومن صقيعِ الشتاء المتربّص بنا خلف الباب… فهيّئوا «عبّوطاتِكم» يا الأحبّة!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار