تستأثر مسارات السياسة الخارجية الروسية بالجهود الحثيثة لبناء تحالفات إستراتيجية وعلاقات ثنائية متينة مع الكثير من الدول الراغبة بتوطيد العلاقات والاتفاقات والساعية لتعميق أواصر التعاون المتين.
وتبدو مسارات التعاون الثنائي للعلاقات بين روسيا وإندونيسيا متفاعلة وتزداد قوة وسط حالة عدم الاستقرار الجيوسياسي بالمنطقة ككل من خلال التطلع لبناء تحالفات حقيقية متوازنة مع روسيا والتي تعطي جميع الاتفاقات مساراً صحيحاً وحقيقياً.
وتشارك إندونيسيا بقوة في شؤون جنوب شرق آسيا، وهي أكبر اقتصاد في الـ«آسيان» وتسعى للحفاظ على السلام والاستقرار، والتنمية الاقتصادية في المنطقة من أجل أمنها، وتسريع نموها الاقتصادي.
من جانبه، يهتم الاتحاد الروسي، ضمن أهداف سياسته الخارجية، بتعزيز وجوده على الساحة الدولية، وتعزيز أنظمة العمل والإنتاج، وتعميق التحالف مع دول الآسيان التي تعد شركاء تجاريين واعدين لروسيا، حيث تتطابق أهداف الجانبين من نواح عديدة.
وأصبحت العلاقات الثنائية قوية بشكل متزايد خلال السنوات القليلة الماضية. ويلعب المجال العسكري دوراً مهماً في العلاقات بين روسيا وإندونيسيا.
إذ تم توقيع اتفاقية تعاون دفاعي بين البلدين عام 2016 لاسيما وأن الجيش الإندونيسي بحاجة لتعزيز منظوماته الدفاعية وعتاده العسكري، وتحسين استعداداته القتالية.
وبالعموم تتأثر القدرات العسكرية الإندونيسية بشكل كبير بتوترات السياسات العالمية والإقليمية المستمرة بالنمو والتطور، وبقيت ضعيفة ومجهزة بمعدات قديمة لمدة طويلة. وحسب القيادة الفيدرالية الروسية للتعاون العسكري التقني فإن حاجة الجيش الإندونيسي سيتم تغطيتها بأسلحة متطورة.
وقال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو العام الماضي: إن التعاون العسكري التقني بين روسيا وإندونيسيا يحمل الكثير من الفرص للوصول للمستوى الإستراتيجي.
وأشار شويغو إلى أن وزارته تعتبر إندونيسيا أحد الشركاء الرئيسيين لروسيا في المنطقة الآسيوية والمحيط الهادئ، فالحوار مع هذا البلد يقوم على الاحترام المتبادل والصداقة. وسيكون الباب مفتوحاً -حسب شويغو- لتوقيع اتفاق الشراكة الإستراتيجية بالمستقبل المنظور، وسيكون خطوة مهمة لبناء علاقات دبلوماسية دافئة.
وأعلنت القيادة الفيدرالية الروسية نهاية تموز الماضي نية موسكو تزويد إندونيسيا بدفعة من الطائرات المقاتلة متعددة الأدوار، حيث تم توقيع اتفاقية لتوريد 11 مقاتلة عام 2018، وتعتزم موسكو تزويد إندونيسيا بأسلحة دفاعية متطورة أيضاً، والذي سيجعل جاكرتا قادرة على إدارة سياسة خارجية أكثر استقلالية. لاسيما وأن واشنطن قد مارست ضغوطاً شديدة على السلطات الإندونيسية لتخفيف تحركاتها تجاه القوى العالمية الأخرى.
ومن الواضح أن الأزمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة كوفيد19 قد ألقت بظلالها على العلاقات الاقتصادية والتجارية والذي جعل واشنطن تفقد الكثير من مواقعها الدولية. إذ بلغ إجمالي التبادل التجاري بين روسيا وإندونيسيا حوالي 1،5 مليار دولار، بزيادة حوالي 30% عن عام 2020. ومن المتوقع اتساع حجم العلاقات الثنائية ذات المنفعة المتبادلة لمستويات أعلى، حيث يصدر الاتحاد الروسي إلى إندونيسيا بشكل أساسي المنتجات الكيميائية، والمعادن، والأخشاب، والمنتجات المعدنية، بينما تزود إندونيسيا روسيا بالأسمدة والحبوب والمأكولات البحرية.
وأصبحت سياسة التعاون والتجاوب مع جائحة كوفيد19 مؤشراً مهماً لبناء العلاقات بين الدول، وهذا ما استثمرته موسكو بشكل جيد من خلال توزيعه مجاناً، ومن دون قيود، بعيداً عن أي اصطفافات دولية أو إقليمية، واعترفت جاكرتا بدورها بأن جميع اللقاحات الروسية ضد الفيروس مناسبة لتنقل السياح المقيمين. وهذا لا يشير فقط لرغبة قيادة الدولة باستعادة مؤشرات النمو الاقتصادي السابقة بأسرع وقت ممكن، بل ويشير أيضاً لمستوى عال من الثقة في جودة الأدوية من روسيا.
وفي 6 تموز الماضي التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وزيرة الخارجية الإندونيسية رتينو مارسودي في جاكرتا. وقامت الدولتان بمراجعة وتحليل القضايا الجيوسياسية ذات الاهتمام العالمي، إضافة لقضايا العلاقات الثنائية بين روسيا وإندونيسيا. وقال لافروف خلال المؤتمر الصحفي المشترك الذي أعقب الاجتماع: إن العلاقات بين روسيا وإندونيسيا جديرة بالثقة، لدرجة لا يمكن وصفها بأقل من شراكة إستراتيجية.
وأكدت مارسودي على المستوى العالي للعلاقات الروسية– الإندونيسية، لاسيما من خلال مطالبة روسيا بدعم تنفيذ نقاط التوافق الخمس. وسيتم توقيع عقود مهمة بين روسيا وإندونيسيا بالمستقبل القريب، والذي سيتبعه زيارات متبادلة لرؤساء البلدين لما فيه المصلحة المشتركة .
*عن «نيو ايسترن اوت لوك»