– هل يمكن إعطاء تعريف نقدي جازم وشامل للمسرح المعاصر؟!
– يبدو السؤال – هنا – في غاية السذاجة، وخاصة أن الكثير من النقاد اعتاد إغلاق باب الاجتهاد، وبات يقيّم ما يُقدم على خشبته بناء على ما حمله لنا النقد المسرحي في الماضي، أما الجمهور المتلقي فإن القسم الأعظم منهم ما زال يعوّل على الفكرة الأسهل والجملة المباشرة والجريئة التي تلامس واقعهم وأحاسيسهم بعيداً عن التأويل الأعمق (مسرح الماغوط: أنموذجاً.. )
في مسرحية “كاستنغ – تجربة أداء” التي قدمت مؤخراً على مسرح القباني بدمشق، لـ “سامر محمد اسماعيل”: تأليفاً وإخراجاً، سنلحظ أنها أخذتنا بعيداً عن المألوف، ليس لنبحث بالعمق عن الايحاءات الضالة في عمق النص وحسب، بل لنبحث – أيضاً بعد انتهاء العرض – عن تعريف نقدي آخر لمسرح “ما بعد الحداثة”، وخاصة أن عنوان العرض يأخذنا منذ البداية إلى الشك بالسابق: السابق الذي اعتدنا – نقاداً وجمهوراً – على السير مع رصانة الفكرة التي لم تستطع التخلص- إلى الآن – من النهج التقليدي للمسرح.
فهل نستطيع القول إن ” تجربة أداء ” هي محاولة للخروج عن تقاليد المسرح، أكثر من أن تكون مسرحية ممغنطة بالسابق من حيث النص والإخراج والأداء، أم إنها تجاوز غير مقصود في تاريخ المسرح السوري؟ الإجابات غير الجازمة سوف تأتي من داخل الصالة، لكن الجزم سيكون في تعددها واختلافها، وهذا في حد ذاته سيكون نقاطاً إيجابية لصالح العرض!.
ندخل الصالة ” أفراداً” توزعنا أرقام البطاقات على المقاعد، لنغدو جماعة تتابع شريطاً سينمائياً يعرض ما هو بعيد عن واقعنا، لكن هذا في حد ذاته لن يثير فينا أي اهتمام، بل إن السؤال سوف يأتي من جلوس الممثل “عامر العلي- جهاد” خلف مكتب يأخذ من مقدمة الخشبة حيزاً ضيقاً، وبعيداً عن الطقوس التقليدية لبدء العرض المسرحي، سيأخذنا “جهاد” إلى حلمه بإخراج فيلم يضاهي في جودته الأفلام العالمية، لكن المشكل الأساس الذي يعرقل البدء في عمله – الحلم – ويجعله في مشاحنة دائمة مع المنتج، كامن في عدم إيجاد بطلة الفيلم ، فالنساء – الممثلات – بتن في حالة من التشابه المقيت الذي لن يمكّنه من الانتقاء، فجأة تدخل “جوليا: دلع نادر” من مكان بعيد عن العاصمة، وترجوه أن ينصت لها، ويمتحن أداءها، وخاصة أن نجاحها سوف يحقق لها حلمها في الشهرة، وفي إنقاذ أهلها من الحاجة، والفقر الذي أتت به الحرب على سورية، ومع إن “جهاد” هو على عجلة من أمره، لكونه متعباً ومرتبطاً بموعد هام، إلا أنه يرضخ لرغبتها، ويبدأ النص بالتشظي بين حكاية جوليا مع حبيبها الرسام، وما يخفيه جهاد من أمراض نفسية، ليجتمعا في نص موازٍ يحدثنا عن الارتباط بالواقع الذي أنتجته الحرب على سورية، والحلم كبديل موضوعي فاشل في التخلص من هذا الواقع المرّ، وكإشارة لهذا الفشل يتخلى “جهاد” عن غرامه بإيجاد ممثلة عالمية تقاسمه الدور والبطولة، ليختار ممثلة من بيئته المحلية لتقاسمه انعكاسات الحرب على سورية على شخصياتنا الواقعة والافتراضية، لنصل ومع المشهد الأخير من المسرحية، ودخول زوجته “مجد نعيم” إلى الخشبة، بأن جوليا وحكاياتها لم تكن موجودة إلّا في ذهن “جهاد” المريض النفسي الذي يخدع زوجته بتناول الدواء ليستمر في البحث عن بطلة لفيلمه الافتراضي، وعن شخصيته الافتراضية التي تجعله دائماً في مأمن من الانخراط بواقع ما بعد الحرب على سورية، هذا الواقع الذي قدمه الجزء المضمر من النص على هيئة أداء انفعالي، تم تجسيده بجرأة وبفنية عالية المستوى من قبل أسرة المسرحية مجتمعة على رأي واحد هو الخروج عن النمط التقليدي للمسرح.