رحلة «حلم 3» تحقق أحلام 150 طفلاً مصاباً بالسرطان
لأول مرة تلامس قدما الطفلة رتيل جمعة ذات السبع سنوات المصابة بمرض السرطان مياه البحر وتتمايل مع أمواجه وتلعب برماله، لم تكن تتوقع رتيل أنها سترى البحر أبداً، وهي التي خضعت لاستئصال عينها اليسرى بسبب إصابتها بالسرطان، وهي الآن في مرحلة المراقبة، بصوت الفرح تقول: “أول مرة بشوف البحر ولعبت بالرمل وبالطابة وكتير مبسوطة”.
وأشارت عمتها أمينة الأحمد التي ترافقها في هذه الرحلة إلى السعادة التي رأتها في وجه رتيل حيث تقضي أوقاتاً سعيدة هنا تنسيها ألمها الذي تعيش معه منذ سنتين.
بعيداً عن الألم ورحلة العلاج المرهقة والمتعبة يقضي لمدة 10 أيام عشرات الأطفال من مرضى السرطان أوقات المرح والتسلية مع أمواج البحر ورماله، ويمارسون نشاطاتهم مع ذويهم والكادر الطبي والكوادر الإدارية في الجمعية السورية لعلاج سرطان الأطفال ورعايتهم من خلال رحلة «حلم 3» لدعمهم نفسياً، والتي تقيمها الجمعية بدعم وإشراف من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
يبتسمون برغم الألم
وكانت سعادة الطفلة ياسمين الخطيب ذات الأحد عشر ربيعاً ممزوجة بالتعب الذي كان بادياً على وجهها، فأسندت رأسها على كتفي والدتها وهي تحدثنا معبرة عن سعادتها برؤية البحر لأول مرة, وتقول: ألعب مع الفتيات هنا، ونرقص ونغني معاً، وأضاف والدها إبراهيم الخطيب: أول مرة نرى فيها البحر عن قرب، والفضل يعود للجمعية فقد حسنت من حال ياسمين التي أنهكها المرض، وتابعت والدتها ميرفت جنديل: صغيرتي ياسمين تقاوم ألمها وشاركت الأطفال بالألعاب برغم تعبها وأنا سعيدة لأجلها.
وأشارت فرح كردي التي ذاقت من رحلة علاجها منذ ثلاث سنوات الألم والتعب الذي لا يحتمل، إلى الدعم الذي تتلقاه من الجمعية سواء لناحية العلاج أو تقديم الدواء أو الغذاء والنشاطات التي يقومون بها.
وأضافت: بفضل دعم الجمعية عشت عمراً جديداً وهذه المرة الثانية التي أزور فيها البحر وأنا سعيدة لوجودي هنا اليوم.
أنا سعيد ونشيط
بين أصدقائه يلعب ويمرح ويغوص بجسده النحيل في البحر لتغمره السعادة قبل الأمواج، إنه طفل الخمس سنوات مصطفى حاج سليمان الذي يتلقى علاجه من مرض سرطان الدم منذ ثلاث سنوات، توجه إليّ بإطار السباحة مبتسماً وقال: أنا مبسوط عم أسبح وأتسلى مع الأولاد ونركض ونضحك, سعادته هذه لم تنسه أن يتقدم بالشكر للمتطوعين الذين يساعدوه كما يقول. وتضيف والدته سمية: هذه المرة الثانية التي يزور فيها مصطفى البحر، وكـأنها أول مرة بالنسبة له ورأيت تحسناً في حاله منذ وصلنا وأصبح أكثر نشاطاً وحيوية، مشيرة إلى أهمية هذا النشاط في دعم الأطفال و ذويهم .
نسي ألم الجرعة التي تلقاها منذ أيام قبل قدومه هنا، إنه الطفل حمزة جمعة في الصف الرابع يقول: أنا سعيد جداً كنت أشعر بالتعب منذ أيام، ولكنني اليوم أنا بخير وأستطيع الركض والسباحة، وأضاف: أتابع دراستي مع زملائي في المدرسة، وأتلقى العلاج في الجمعية، هم يحبونني ويقدمون لي كل ما أحتاجه، من جهتها أشارت والدته المدرّسة مريم جمعة إلى تلقيه جرعة أسبوعياً، واليوم هو بكامل نشاطه، مشيرة إلى تحسن حاله بمجرد رؤيته للبحر ولعبه بالرمل، وهذه الرحلة ستساعد أطفالنا على تجاوز الكثير من الآلام في رحلة علاجهم.
نحن هنا لإسعادهم
على مدار اثنتي عشرة ساعة تراقب مجموعة من الشبان المتطوعين، وهم بمثابة منقذين للأطفال لحمايتهم في حال حدوث أي خطر أثناء السباحة أو اللعب بالبحر، ويشاركونهم الألعاب والسباحة، وهنا يؤكد المنقذ محمد الجدعان من فريق المتطوعين بالجمعية على أهمية النشاطات التي تقدم للأطفال ضمن هذه الرحلة، مشيراً إلى الأثر الكبير والفرق الذي لمسه من تحسن عند الأطفال، بعد خوضهم السباحة واللعب بالرمل، لافتاً أن هناك العديد من النشاطات كالألعاب الهوائية والمسابقات الهادفة، التي سيشاركون الأطفال فيها، وسيتواجدون معهم في أي مكان يكونون فيه لإدخال الفرح إلى قلوبهم .
كما أشارت المتطوعة ثنا كردي التي تطوعت في الجمعية كرمى أختها فرح ذات الثمانية عشر عاماً: كنت أقصد الجمعية كمرافقة لأختي المصابة بالسرطان، وأتألم لحالها ولكن مع الوقت ازدادت قوتي بعد رؤيتها تتعافي، وقد خضعت لعمل جراحي في العمود الفقري لاستئصال الورم وهي الآن تحت المراقبة وتستكمل علاجها، وأضافت: نحن كمتطوعين نأخذ الأمل والتفاؤل من هؤلاء الصغار، وجاهزون لتقديم كل شيء لنراهم مبتسمين.
نحقق حلمهم وندعمهم
من جهتها مزنة علبي مؤسس رئيس مجلس إدارة الجمعية السورية لعلاج سرطان الأطفال ورعايتهم قالت لـ«تشرين»: إلى جانب العلاج الطبي والغذائي والبرنامج التعليمي يأتي العلاج النفسي في مقدمة أهداف الجمعية التي تتكفل بعلاج أطفال مرضى السرطان من عمر اليوم حتى 18 سنة، مشيرة إلى أن هناك 140 طفلاً ضمن المراقبة في الجمعية، وهناك حالات نادرة لسرطان رحم وسرطان المبيض عند الفتيات ويتم علاجه بالكيماوي أو الاستئصال، وبينت أن هناك أطفالاً شفوا تماماً من المرض ويتابعون حياتهم بشكل طبيعي.
وعن رحلة «حلم 3 » قالت علبي: زيارة البحر حلم الكثير من الأطفال نحن هنا لتحقيق هذا الحلم لهم، والتمتع بجمال الساحل السوري وجباله وخصوصاً أن السباحة علاج في حد ذاتها، ونصحنا الأطباء بهذه الرحلة لأنها ستكون سبباً في تعافي الكثيرين بشكل أسرع، وأكدت أن الحالة النفسية للأطفال تحسنت عندما رؤوا البحر وسبحوا وعادوا يتناولون طعامهم بشراهة ولفتت علبي إلى التشبيك مع المشافي في محافظة اللاذقية خلال الرحلة لتلقي أي حالة طارئة، فضلاً عن أن الرحلة يرافقها طبيب أطفال وطبيب أورام وممرض فني للتدخل في أي حالة.
وأشارت علبي إلى أن الرحلة تضم أكثر من ١٥٠ طفلاً من الجمعية وأسرهم وجميع الكوادر الطبية والإدارية من محافظات حلب والحسكة ودير الزور وتستمر من 9 ولغاية 25 تشرين الأول حيث ستقام فعاليات وحفلات موسيقية وأنشطة ترفيهية لأطفال الجمعية، مشيرة إلى الجهود التي بذلتها الجهات العامة، والدعم والتسهيلات التي قدمتها لتحقيق هذا الحلم .