تخوض الولايات المتحدة حرباً غير معلنة مع الصين، وتلجأ واشنطن إلى ممارسة الضغوط على الدول التي تتعامل مع بكين بعد أن غزت المنتجات الصينية معظم أسواق العالم بما فيها الولايات المتحدة. كما ويكثر الحديث مؤخراً عن حرب باردة ثانية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، فهل بات العالم فعلاً على أبواب حرب باردة ثانية.. وكيف وصلنا إلى هذه النقطة؟
هذا ما أوضحه مقال نشره موقع «غلوبال ريسيرش» جاء فيه:
بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وانهيار جدار برلين، أعلنت الدول الغربية بقيادة أمريكا نصرها النهائي على منافسيها في العالم وكان من أكثر من تبنى هذا الطرح “المحافظون الجدد”، إذ قال أبرز منظريهم وليام كريستول: إن القرن العشرين كان قرن أمريكا، أما القرن الحادي والعشرين سيكون القرن الأمريكي بامتياز.
من جهة أخرى وحسب المقال فقد عكف السياسيون الأمريكيون على رسم الخطط لإدامة بقاء واستمرار دولتهم والسيطرة على بقية دول العالم، فاختلقوا “الحرب على الإرهاب” كستار لتقوم بنقلة إستراتيجية على مستوى رقعة العالم تمثلت بغزو منطقة وسط وغرب آسيا، ومن ثم السيطرة عليها بهدف إخضاع دول المنطقة الأوراسية للهيمنة الأمريكية الكاملة، لاسيما وأن منطقة أوراسيا تعد خزان العالم من الموارد الطبيعية والأولية وتؤلف مع الوقت كتلة بشرية كبرى وبالتالي فإن السيطرة عليها يؤمن التحكم في مصادر الطاقة العالمية والسيطرة على عقدة خطوط نقلها، إضافة إلى السيطرة على خطوط نقل البضائع سواء عبر البر أو الممرات المائية الإستراتيجية وبهذا تتمكن الولايات المتحدة من التحكم في اقتصادات دول العالم كاملة وفي مدى النمو الاقتصادي لهذه الدول بما في ذلك الصين وروسيا.
وأضاف المقال: الولايات المتحدة سعت للقضاء على البؤر المقاومة للهيمنة الأمريكية المتبقية في العالم والتي صنفها جورج بوش الابن على أنها دول “محور الشر” بما يخدم أمن الكيان الصهيوني، حيث لم يكن اللوبي الصهيوني بعيداً عن هذه المخططات، فكانت الحرب على أفغانستان والعراق لتحقيق هذين الهدفين الإستراتيجيين بمعنى السيطرة على غرب آسيا أولاً، والقضاء على ما يسمى دول محور الشر ثانياً حسب الوصف الأميركي.
وبناء على تجربة حلف شمال الأطلسي في حرب كوسوفو في تسعينيات القرن الماضي، اعتقد الأمريكيون أنه من الممكن حسم حروب منطقة غرب آسيا سريعاً، وهو ما يؤمن لها التحكم بمستقبل الصين الاقتصادي.
وأضاف الموقع: استندت الولايات المتحدة إلى تقدير آخر خاطئ مفاده أن مصير الصين سيكون مثل مصير بقية دول المعسكر الاشتراكي بعدما تفكك ذاك المعسكر وأن الشيوعية قد انتهت في الصين وهي على طريق التحول إلى الرأسمالية، لذلك أهملت أمريكا احتواء الصين.
وقد أثبتت النتائج خطأ كل هذه التقديرات التي لم تنتبه إلى قوة النظام السياسي الصيني.
لقد غرقت أمريكا في وحل منطقة غرب آسيا ولاسيما في منطقتنا العربية، وقد تم مواجهتها بمقاومة شديدة من حركات مقاومة شعبية مدعومة من الدول الرافضة للهيمنة الأمريكية التي كانت الولايات المتحدة قد جاءت لتجهز عليها ونتيجة لذلك فشل الهدف الإستراتيجي الرامي إلى بسط النفوذ الأمريكي على المنطقة، وخلق شرق أوسط جديد، وعوضاً من ذلك دخلت أمريكا في حروب مكلفة لا تنتهي، وكانت الصين في غمرة انشغال أمريكا بمغامراتها الشرق أوسطية تبني اقتصادها على نحو هادئ ومستقر وتطور قدراتها التصنيعية وبنيتها التحتية، وتنمي قطاعات التطور التقاني والابتكار العلمي.
إن تحركات الولايات المتحدة تجاه الصين تؤكد أنها تسعى للضغط عليها في ثلاثة مستويات، أولاً الضغط على دول العالم والدول الحليفة للولايات المتحدة كي تقلل الاعتماد على المنتوجات الصينية، أما المستوى الثاني فيتمثل بتخفيف التداخل بين الاقتصادين الأمريكي الصيني من خلال فرض الضرائب على الواردات الصينية للأسواق الأمريكية وتنويع مصادر سلاسل توريد الصناعات الأمريكية ونقلها إلى دول غير الصين، فيما يتمثل الخيار الثالث بالضغط العسكري في بحر الصين الجنوبي ومحاولة تقليص النفوذ الصيني العسكري في منطقة الملاحة البحرية الإستراتيجية تلك.
وأفاد الموقع بأن الصين قد أحسنت استغلال العقود الماضية، وقد ساهم انشغال الولايات المتحدة عنها بحروب غرب آسيا في نمو الاقتصاد الصيني الذي تخطى اقتصاد اليابان ليصبح ثاني أكبر اقتصاد حول العالم بعد الاقتصاد الأمريكي والأسرع نمواً بناتج قومي يتجاوز الـ 15 تريليون دولار. وختم المقال “لقد تجاوز حجم إقراضات الصين مؤخراً مجموع القروض التي قدمها البنك الدولي ونادي باريس مجتمعين بحسب إحصاءات معهد كيل للاقتصاد العالمي”.