غريبٌ أمر بعض المعنيين في جهاتنا الخدمية كأنّ هناك «كوع» في طريقة تفكيرهم وإدارتهم للأزمات وحاجات الناس… فكلما أمّنوا لنا أسطوانة غاز أو « لمعة» كهرباء أو خمسين ليتر مازوت… يجب علينا، في رأيهم، أن « ندبكَ» حتى الصباح المباح، ونقيمَ الأفراح والليالي المِلاح… وكلّما «زفّتوا» عيشتنا .. عفواً زفّتوا طريقاً ما أو ردموا حفرةً تسببتْ بمئات الحوادث ( وبعد شهر على الأكثر تعاود فتح فمها مثل الغول) يجب أن نملأ الدنيا بالأهازيج وطقطوقات الابتهاج، وإنْ قام أحد المعنيين بـ«المطلوبِ منه» و« ما هو واجبه كمسؤول» وجَبَ على الصحافة أن « تطرش» مواقعها الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي بصور المسؤول الضاحك وهو يرفع إشارات الفرح وحوله العمّال الكادحون والفلاحون المبتهجون يَبدون في الصور مثل طلابٍ حول أستاذهم يومَ استلامهم «المرحات» وعلى رؤوسهم تيجان الكرتون الملوّنة … بدل أن « يرفع» المعنيّون التحيّاتِ والتعويضات والرواتب وبدلات استشفاء أولئك المخلصين من الموظفين وألّا يرفعوا لهم الضغط والسكّري!.
وذاك «الكوع» ليس عن جهلٍ أو قلّة خبرة وعدم معرفة، فقد أسرَّ لي أحد المخترعين السوريين المنسيين تحت ركام الإهمال وباحَ بالمرارة في قلبه: «نحنُ لا نعاني من انخفاض مستوى ذكاء بعض المعنيين، بل على العكس نعاني من شدّة دهائهم، واتساع حيلهم في (الدهلزة) وإفشال المبدع، وصناعة الفِخاخ له!».
ربما لذلك ننجحُ كأفراد ونخسر كمؤسسات، نتألّق في أرضِ الآخرين وبلاد العجم كمبدعين محلّقين في سماوات الفخر بكوننا سوريي الجذور، فيما نتحوّل على أرض واقعنا المعيش إلى باحثين عن أقلّ القليل، لاهثينَ خلف سعادةٍ وهميّة اسمُها: أنْ نبقى على قيد الحياة.
رحمك الله يا محمود درويش وأنت تقول: « نحبُّ الحياةَ إذا ما استطعنا إليها سبيلا»، و«يا أيها المستحيلُ يسمُّونكَ الشام»، و«في دِمَشْقَ يُغنّي المسافرُ في سرِّه: لا أَعودُ من الشام حيّاً ولا ميتاً… بل سحاباً يخفِّفُ عبءَ الفراشة عن روحِيَ الشاردة».