بعد أن بالغ العمر في السهر معي، وتجاوز الليل نصفه الرشيق، قررتُ؛ وأنا بكامل شغفي؛ أن أحدثكِ عن أشياء أكثر أهمية من دوران الأرض حول نفسها، وأقل اعتباراً من تأمل مواسم الحرب، وهي تُساكن مخدعنا، لنقرّ، ونحن بلا عنوان، بأن هذا العالم مازال يزحف على قرنيه ليزجَّ بنا في حلبة من الفرضيات الساخنة، لتسخيرنا كضحايا تُصدر، عبر حدود الزمن، على شكل أرقام مهدئة تحرض الأبناء على الرقص في مآتم أمهاتهم تماماً، كما الموج عندما يصفع الشواطئ الثكلى، ويطالبها بالصبر، ليستمر تاريخ المد في كتابة مذكراته فوق الرمال!.
– لن أدّعي بأني سأبيد الصمت المخيم على صرختنا الأولى منذ الأزل، ولن أزاول مهنة الحزن الذي ينساب من أغانيكِ المكتومة بين سطور الليل، وأنتِ تعفرين من الخصب بكاء طفل يستجير بكسرة خبز قبل حلول الظلام: هو طفلكِ الذي التقيناه نتفاً مكررة لرداء كنا نظن إنْ ارتديناه بات الشارع في وفرته دمع نقطة تعاند السطر كي لا يستمر المد في استعادة ماضية مِن سِفر الجحيم!.
– كيف احتوانا كلّ هذا الإبهام، وكيف ضلتْ بنا السطور لنمتص انحناءاتها للنسيان!.
يا خجلة الليل، وأنتِ تطلبين إعادة الجُمل إلى حتفها، أو استعادتها مزركشة بالتنميق، وبالكثير مما احتوته البلاغة المزيفة، حين كنتِ عروسة بحرٍ، وكنتُ صياداً يعصف بغربة البن إلى حين تغرب الينابيع عن صباها، ويحنو على مرابعه الجفاف، وحينها كنتُ أسألكِ عن اسمك، فيفيض فنجان قهوتنا بهالة من الطرقات… هل كنّا إشاراتها الحمراء، أم إن للشواطئ رغبة بأن تكون لها موانئ دائمة للنسيان؟.
– لا لن أدّعي بأني ألقاكِ كلّ ليلٍ بين الصخور المعفّرة قوافيها من حلم الموج في أن يظل الظلّ المالح لجسدينا إلى نهاية الرماد، لا لشيء أتنكر لهذا، بل لأن النوارس؛ مثلكِ؛ تمقت الضباب، وسفائني كما الصدأ عصية على الفهم ، فلا البحر أراد أن يكون لها قدراً، ولا أصابعنا استطاعت أن تتجاوز ما عزت على البوح به صرخة المقهور!.
– وبعد؟.
– لا شيء يستوجب النوم، سأظل والليل حليفين في كأس واحدة، ولن أجيب عن السرّ المتمكن في رغبتي بأن أملي بوجودكِ البعد الثالث الذي يشاطرني دائماً تجاوز الليل لنصفه الرشيق!.