عشوائية زمنية

ينفي الفيزيائيون وجود زمن واحد يحكم الكون وينفون أيضاً وجود زمن موحّد يحكم بعض أجزائه، كالمجرّة التي تقع فيها شمسنا وكرتنا الأرضية على سبيل المثال، يتحدّثون عن زمن موضوعي، وزمن واقعي، وآخر فيزيائي، وأزمنة عشوائية، والزمن النفسي وسواه من الأزمنة التي يتداخل جميعها في جميعها، بما يطرح معضلة معرفية يبدو الفهم البشري قاصراً عن استيعابها.
ما يزيد المعضلة المعرفية تعقيداً أمور عديدة، يقوم أهمها في الارتباط الصارم بين الزمان والمكان، إذ يستحيل وجود أحدهما في معزل عن الآخر، مع الإشارة الضرورية التي يبديها الفيزيائيون بشأن الحيرة التي تطرحها فكرة الحمولة المتبادلة بين الأقنومين الزماني والمكاني، في سياق التساؤل عن الطرف الذي يمكن أن يحمل الطرف الآخر، فهل المكان هو الحامل الموضوعي للزمان؟ أم العكس هو الصحيح؟ وهل يتمكن الزمان من الوجود والجريان في معزل عن المكان، مهما استبدّت به طبيعته التجريدية المخالفة للطبيعة المادية التي يتمتّع بها المكان؟. الزمان يحتاج إلى صياغته ضمن معادلات ورموز رياضية لكي يصير قابلاً للتحديد المفهومي، وهذا لا يزال مستحيلاً من ناحية الإحاطة المنشودة بفكرة الزمان بصوره الكونية المتاحة أمام الوعي البشري، على الرغم من الإنجازات المعرفية العظيمة التي نعمت بها البشرية على أيدي علمائها الكبار في إطاري النسبية، وفيزياء الكمّ.
تطرح فكرة الارتحال ضمن الزمان إثارة عظيمة للخيال البشري؛ ويرى الفيزيائيون إمكانية نظرية للسفر في الزمان، ولكنه محدد باتّجاه واحد هو المستقبل؛ فالمرء يستطيع نظرياً أن يسافر في مركبة فضائية ذات سرعة مقاربة لسرعة الضوء أسبوعاً في الفضاء، وحين يعود إلى كوكب الأرض يكون الكوكب قد دار حول نفسه، وحول الشمس، مرّات عديدة تفوق بكثير زمن الأسبوع الفضائي، بما يعني أن الذي أمضى أسبوعاً في الفضاء البعيد، استطاع أن يسافر إلى مستقبل الكرة الأرضية التي تحركّ فيها الزمن أعواماً عديدة، بينما يبدو ذلك السفر مستحيلاً باتّجاه الماضي، إلا بعد اختراع «آلة الزمن» التي سرد كاتبُ الخيال العلمي (ويلز) إمكانيةَ اختراعها.
العشوائية الزمنية القائمة في المجال الكوني مماثلة لأزمنة الرواية بتعبير أحد الفيزيائيين الروس، والرواية وحدها هي التي تتيح للزمن انتقالاته العشوائية، بطرق عشوائية أيضاً، في مختلف الاتجاهات، وعلى إيقاع مختلف السرعات، في معزل عن الصرامة العلمية التي ترى «الآن» أن الزمان يتدفق في اتجاه واحد لأن الكون يتمدّد ويتّسع، وعندما يباشر الانكماش والتضاؤل بعد أزمنة محسوبة بمليارات السنوات فمن المحتمل أن يسير القهقرى باتّجاه الماضي.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار