الانتخابات الألمانية.. آلية فريدة في أوروبا

تعد الانتخابات الاتحادية للبرلمان الألماني مناسبة لقياس قوة الأحزاب من خلال عدد المقاعد التي يمثلها في المؤسسة التشريعية، كما يعد “البوندستاغ” المؤسسة الدستورية الوحيدة المنتخبة شعبياً بشكل مباشر وتناط به واجبات عديدة تشمل تحقيق مصالح الشعب وانتخاب مستشار البلاد أو الدعوة لسحب الثقة منه والمشاركة في انتخاب الرئيس، إلى جانب الرقابة على عمل الحكومة والسلطات التنفيذية وأجهزة الاستخبارات وأوضاع الجيش ومهامه الخارجية.

أما عن آلية الانتخابات فتجري عادة كل أربع سنوات، ويخص الدستور الأحزاب السياسية بدور محوري في رسم الخريطة السياسية الألمانية، حيث تنص مادته رقم 21 على «مشاركة الأحزاب الأساسية في تشكيل الإرادة السياسية للشعب». ويبلغ عدد الدوائر الانتخابية الألمانية 299 دائرة.

ويملك كل ناخب ألماني وصل إلى سن الثامنة عشرة صوتين: بواسطة الصوت الأول يختار الناخب مرشحه المباشر في دائرته الانتخابية، وعلى هذا النحو يتم انتخاب نصف أعضاء البرلمان (299 مقعداً) وهنا يكفي حصول كل مرشح على أغلبية نسبية من أجل الفوز بمقعد في البرلمان القادم.

أما الصوت الثاني فيمنحه الناخب لحزب ما دون اختيار نائب بعينه، وبواسطته يختار الناخبون النصف الثاني من أعضاء البرلمان. ويعد الصوت الثاني أكثر أهمية لأنه يحدد توزيع المقاعد البرلمانية على الأحزاب السياسية وبالتالي يشكل مقياس قوتها الحقيقية في عملية صناعة القرار السياسي.

يمكن وصف آلية الانتخابات على النحو التالي: في كل دائرة انتخابية يقدم كل حزب مرشحه المفضل، وفي كل ولاية ألمانية يضع كل حزب سياسي في كل ولاية ألمانية لائحة لمرشحيه الذين يتم إرسال عدد منهم كأعضاء في البرلمان الجديد وفقاً لنسبة الأصوات الثانية.

إن المرشحين الفائزين عن الدوائر الانتخابية بواسطة الصوت الأول يمثلون دوائرهم في البرلمان في العاصمة الألمانية، ثم يختار كل حزب نوابه من اللائحة التي قدمها وفقاً لما حصل عليه من الأصوات الثانية بعد خصم عدد النواب الفائزين من خلال الأصوات الأولى، فإذا حصل حزب على 10 مقاعد من الأصوات الأولى و15 مقعداً من الأصوات الثانية، فإن النواب العشرة الذين يشغلون المقاعد العشرة الأولى يذهبون مباشرة إلى برلين لتمثيل دوائرهم، ثم يختار الحزب خمسة نواب آخرين من لائحته لتمثيله في البرلمان، وفي حالة تساوي المقاعد التي حصل عليها حزب ما من الأصوات الأولى والثانية فإنه يكتفي بالنواب الفائزين بالأصوات الأولى ولا يمكنه إرسال نواب من اللائحة. ففي المثال السابق، إذا كان عدد المقاعد التي حصل عليها الحزب من الأصوات الثانية هو 10 مقاعد، فلا يمكنه إرسال نواب إضافيين إلى البرلمان الاتحادي في برلين، ويكتفي بالنواب العشرة من الأصوات الأولى.

وفي حالات استثنائية يمكن أن يفوز أحد الأحزاب في إحدى الولايات الألمانية عن طريق الصوت الأول بعدد من المقاعد البرلمانية أكبر من نسبة الأصوات الثانية التي فاز بها. وفي هذا الإطار يرى قانون الانتخابات الألماني أن تحتفظ الأحزاب السياسية بهذه المقاعد البرلمانية والتي يطلق عليها المقاعد العالقة، ما يرفع من عدد المقاعد البرلمانية للأحزاب التي يفوز بها.

يضع الدستور الألماني عوائق صعبة أمام إجراء انتخابات مبكرة بهدف تحقيق أكبر درجة ممكنة من الاستقرار السياسي والحفاظ على هيبة المستشار الألماني وثبات الركائز الأساسية لآلية صناعة القرار السياسي في البلاد.

وتأسس أول برلمان ألماني في ثمانينيات القرن الـ 19 بعد سنوات قليلة من توحيد الولايات الألمانية على يد السياسي البروسي أوتو فون بسمارك، وتأسيسه الإمبراطورية الألمانية أو ما يعرف بـ”الرايخ الألماني الأول” وتوليه منصب المستشار فيها عام 1871.

وارتبط البرلمان الألماني الأول باسم “الرايخستاغ” وهو مقره الذي ظل منذ تأسيسه يواصل منه وظيفته التشريعية حتى أحرقه النازيون ودمروه عام 1933 قبل أيام من الانتخابات التي أتت بالزعيم النازي أدولف هتلر إلى السلطة.

أما برلمان ألمانيا الحديثة (البوندستاغ) فقد تأسس بالتزامن مع قيام جمهورية ألمانيا الاتحادية 1949 وظل مقره منذ ذلك الوقت في العاصمة القديمة بون، وانتقل بعد توحيد الألمانيتين عام 1990 إلى مقره الحالي في مبنى “الرايخستاغ” القديم، بعد تجديده بالكامل عام 1999 في العاصمة الجديدة برلين.

يعتبر “البوند ستاغ” أكبر الهيئات التشريعية في ألمانيا ويتم انتخاب أعضائه كل أربع سنوات ، ويقع مقره وسط العاصمة برلين بالقرب من بوابة براند بورغ الشهيرة ويعتبر رئيس البرلمان الألماني ثاني أعلى منصب بالدولة بعد الرئيس.

*عن «موقع الدراسات الإستراتيجية العالمي»

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار