كنت عند حلاقٍ صديقٍ اسمه شادي سعد، ولفتتني زجاجةٌ كبيرة رقدت على «الكونتوار» أمامه، إلى جوار الأمشاط وعلب كريم الشعر، وفي جوفها العشرات من أنصال شفرات الحلاقة! استوضحتُه، فقال: إنها طريقته في التخلص من الشفرات المستعملة؛ فلا يلقيها على أرض صالونه، ولا في الشارع كما يفعل العديد من الحلاقين، ولا يرميها عشوائياً في الحاوية فتصبح مقاصل محتملة لأصابع عمال النظافة أو الأطفال النبّاشين أو حتى للقطط والكلاب الداشرة الباحثة عن لقمة وسط القمامة.
شكرته من قلبي على هذه اللفتة المدهشة وتذكرت أنه على الطريق الممتدة من آخر تنظيم صحنايا وحتى المدرسة الشهيرة والمعروفة للجميع… تناثرت مئاتٌ من زجاجات المشروبات الغازية والكحولية المكسّرة و«المشلوحة» في تربة الأراضي الزراعية، والمتزايدة كل يوم بالعشرات بما يشكل كارثة محتملة!.
وخطر في البال كيف كانت الشركات والمؤسسات الحكومية المعنية قبل أكثر من عقدين تفرض على أصحاب الدكاكين والناس إعادة زجاجات الحليب المبستر (مَن تذوّق طعمه منكم ستلفحه الذكريات بالتأكيد) وزجاجات بيرة بردى والشرق…وكيف كانت تفرض سعر التكلفة مسبقاً فيلتزم البائعون والمشترون بإعادة الفوارغ ليصار إلى تعقيمها وإعادة تدويرها واستعمالها.
تفصيلٌ آخر: في العديد من السرافيس؛ تُبقَرُ بطونُ وظهورُ المقاعد فتخرج مساميرُها وأسياخُها وصفائحُ صاجها مثل سكاكينَ ومبارد لتشرط رُكَبَ وثيابَ الناس وتجعلهم يلعنون ويشتمون الزمن العاطل الذي حشرهم بين خيارين: إما الباصات الجحيمية؛ أو السرافيس المتحولة إلى مصائد كارثية متنقلة!.
قبل أن أكتب هذه الزاوية، وفي طريق عودتي إلي البيت منهكاً ومرضوضاً، «دردشتُ» مع راكبٍ إلى جواري بهذه الأفكار فقال بكل برود: «حطّ بالخرج يا زلمة»! استفزّني بروده، وأكدت له بشاعة وخطورة تلك الأشياء، فقال بسخرية: «ينفلقوا»!.
لم أعرف هذه الـ«ينفلقوا» أهي موجهة ضد الناس أم السائقين أم المعنيين أم كلهم جميعاً… وربما لو كنت في غير حالة لمازحته وأقنعته بفكرتي عبر الضحك والتسلية… لكنني فكرتُ: كيف أنّ اللامبالاة المرعبة، والإهمال المقصود، وقلة الإخلاص، وانعدام الضمير… كلّها تفاصيل خطرة جداً، لا تصيب أجساد وأرواح البشر فقط… بل جسد البلد بأكمله!.
لكن أيعقل أنني أحمّلها زيادة…أم فعلاً… «ينفلقوا»؟!.