صناعيو (كلاسة) حلب استغاثة من تحت الركام .. المطلوب إجراءات عاجلة لتشغيل المعامل ووقف نزيف الهجرة

عند سماع هدير الآلات تملأ أرجاء المنطقة الصناعية في الكلاسة، أقدم منطقة صناعية في حلب، تشعر بالفرح بأن رحى المعامل لا تزال تدور على خلاف ما يروج، لكن ما هي إلا دقائق حتى يتغير هذا الاعتقاد، وذلك حينما يعبر الصناعيون عن هموم صناعتهم وتشاهد أن المعامل الدائرة قائمة على آلة أو آلتين على أكثر تقدير، ما يبين أن وضع الصناعة في هذه المنطقة وعموم حلب ليس بخير، وتحتاج إلى يد حنونة وكثير من الدعم مع فتح آذان المعنيين للاستماع إلى وجع الصناعيين وإنتاج حلول منطقية تعالج المشاكل المتراكمة وتمنع نزيف هجرة الصناعيين الخطير.
عقبات عديدة
«تشرين» جالت في منطقة الكلاسة الصناعية، حيث لا تزال آثار التخريب والتدمير الإرهابي قائمة في كل مكان تدلل على الضرر الكبير الذي طال منشآتها الصناعية، لكن برغم ذلك عمد صناعيوها إلى تشغيلها ضمن الإمكانات المتاحة بغية ضمان عودتها إلى الإنتاج وإن بطاقات إنتاجية أقل، ليصدموا بعد فترة بطريقة تعاطٍ سلبي من الجهات المعنية من خلال إصدار قرارات تضر بالصناعة أو تجاهل بعض المشاكل المؤثرة على إنتاجية المعامل لدرجة أنه بعد تراكمها لم تعد أدنى مقومات العمل متوافرة، على نحو تسبب في زيادة تكاليف الإنتاج وتعثره لاحقاً، لتكون النتيجة موجة هجرة جديدة ستترك آثارها على الصناعة المحلية بعد عزوف صناعيين كثر عن العمل والتفكير في بيع معاملهم والهجرة إلى دول أخرى، وهو ما يؤكده الصناعي عبد القادر جلب بحرقة «صناعات بلاستيكية» بقوله: منذ 30 عاماً أعمل في منطقة الكلاسة، التي لم تشهد يوماً مثل هذه الظروف، وذلك بسبب عقوبات كثيرة اعترضت عملنا، لذا توقف معملي عن الإنتاج منذ 3 أشهر، واليوم أعرض معملي للبيع وقد أهاجر بأي وقت لأي بلد يقدر الصناعيين.
يؤيده في رأيه الصناعي زاهر علبي «صناعة نسيجية» بتأكيده أن هذه الصناعة العريقة، التي تعد الصناعة الرئيسة في منطقة الكلاسة وعموم حلب تنازع اليوم بسبب سلسلة من الصعوبات لم يعد الصناعيون قادرين على تحملها، لافتاً إلى أن بعض القرارات كان لها الدور الأكبر في إلحاق الضرر بهذه الصناعة وحرمان عائلات كثيرة من مصدر رزقهم بعد إغلاق عدد من المعامل لأبوابها، موضحاً أن ما يحصل اليوم أشبه بـ «تطفيش» وتشجيع الصناعيين على الهجرة وترك معاملهم، وهذا بالنهاية ستدفع ثمنه الصناعة المحلية ليس في حلب فقط وإنما في عموم سورية، الأمر ذاته يشير إليه الصناعي محمد بشير لبابيدي «صناعة بلاستيك»، الذي أوضح أن سبب تردي الوضع الصناعي في حلب وصولاً لتفكير الصناعيين في الهجرة مرده إلى جملة من العراقيل أبرزها سوء وضع الكهرباء، التي تعد المطلب الأول للصناعيين، وعدم توفر المحروقات، عدا عن قيام دوريات الجمارك بشكل يومي بجولات على المنطقة الصناعية بالكلاسة، مخالفين بذلك القرار القاضي بمنع دخول الدوريات الجمركية إلى المناطق الصناعية، ما تسبب في ارتفاع تكاليف الإنتاج، وبالتالي خروج المنتج المحلي من المنافسة بحيث بات زبائن كثر ممن كانوا يفضلون المنتج السوري عن غيره لجودته يتجهون نحو المنتج الأجنبي بعدما أصبحا أرخص من جراء التكلفة العالية للمنتج المحلي، ويضيف: إذا استمر الوضع على هذا الحال سيفكر الصناعيون حتماً في الهجرة ولاسيما في ظل التسهيلات الكثيرة المقدمة من الدول الأخرى لجذبهم، في حين يختار صناع القرار إصدار قرارات جديدة كل فترة تزيد الضغوط على الصناعيين وآخرها إلزام الصناعيين بدفع نصف قيمة البضاعة قبل تصديرها في حين أن صناعيين كثر لا يملكون المبلغ المطلوب، لذا لم يعد بمقدورنا اليوم العمل بمثل هذه الظروف الصعبة، علماً أننا بقينا نشتغل وننتج برغم كل هذه التحديات.. ولكن في النهاية «لا تكلف نفساً إلا وسعها..».
حديث الهجرة متداول

تطغى الصناعات النسيجية والبلاستيكية على منطقة الكلاسة الصناعية، إضافة إلى بعض المعامل التي تنتج الصناعات الغذائية والكيميائية والهندسية، وللوقوف على صحة ما ذكره الصناعيين ومعرفة المشاكل التي تعترض سير العملية الصناعية في هذه المنطقة المهمة وإذا ما كانت غرفة صناعة تنقل هذه الصعوبات إلى الجهات المعنية، التقت «تشرين» رئيس لجنة المنطقة الصناعية في الكلاسة نديم الأطرش، الذي أفاض على ما ذكره الصناعيون في عرض مشاكل الصناعيين على نحو أثر على العملية الإنتاجية بصورة كبيرة وتسببت في دفع العديد منهم إلى التفكير في الهجرة، التي باتت حديث الصناعيين في شوارع المنطقة وفي أقبية المعامل من جراء كثرة الصعوبات وخاصة خلال الفترة الماضية فيقول: اليوم أصبح العمل الصناعي أشبه بمغامرة، علماً أننا في الفترة الماضية كنا نعمل للمحافظة على رأس المال، ولكن حالياً نصرف من رأس مالنا لنأكل ونشرب، حيث لم تعد هناك جدوى فعلية للعمل الصناعي في ظل تراكم المشاكل وعدم إيجاد حلول لها وتضيق الخناق على الصناعيين كل يوم. ويضيف: أغلب المشاكل التي يعاني منها الصناعيون قد باتت معروفة، ولكن لا حلول حتى الآن، وتتمثل بالكهرباء، التي تصل بشكل متقطع للمنطقة الصناعية في الكلاسة، التي يفترض معاملتها كالمدن الصناعية علماً أنها تعد ومنطقة العرقوب من أقدم المناطق الصناعية في حلب، يضاف إلى ذلك شح المحروقات والفيول، مع أن مخصصات الصناعيين لا تصلهم إلا بشق الأنفس مع تخفيض كمياتها، ما يضطر الصناعيين إلى التوجه إلى السوق السوداء وشراء احتياجات تشغيل المعامل بأسعار مرتفعة، ويضاف إلى ذلك ضعف تصريف الإنتاج في أسواق البلاد المجاورة من جراء الإجراءات القسرية أحادية الجانب المفروضة على سورية، عدا عن غلاء الغزول ورفع أسعارها بشكل متكرر من دون تحديد فترة زمنية تتيح للصناعي ترتيب أموره وحساباته وأخذ احتياطاته، وهو ما تسبب في رفع تكاليف الإنتاج على نحو أضعف منافسة المنتج المحلي مع منتجات البلدان الأخرى.
وبيّن رئيس لجنة المنطقة الصناعية في الكلاسة أنه لا يوجد نسبة محددة لعدد الصناعيين الذين هاجروا من المنطقة الصناعية في الكلاسة، إذا يمكن اعتبارها حالات فردية، لكن عموماً الحديث عن هجرة الصناعيين متداول بكثرة هذه الأيام، مطالباً باتخاذ إجراءات عاجلة لوقف نزيف الهجرة ومعالجة مشاكل الصناعيين وذلك عبر تقديم تسهيلات للصناعيين وتوفير المستلزمات الأساسية للصناعة وخاصة أن مدينة حلب تشكو حالياً من نقص الكفاءات والخبرات الفنية من جراء تداعيات الحرب على سورية علماً أن غرفة صناعة حلب تبذل قصارى جهدها لتعويض هذا النقص عبر ترميمه بجيل صناعي جديد تؤهله لدخول سوق العمل الصناعي لكن يبقى ذلك غير كافٍ والمفروض اتخاذ إجراءات عاجلة للمحافظة على الصناعيين المتواجدين داخل البلاد، فعندما يقدم لهم كل احتياجات الصناعة مع دعم كافٍ للإنتاج والتصدير حتماً سيسهم في ذلك في توافد الصناعيين في الخارج إلى حلب وليس العكس كما يحصل اليوم..

ت- صهيب عمراية

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار