قبل سنوات من إغلاق مخيم اليرموك بمفاتيح الإرهاب، كانت مجموعتي القصصية «جدلية النزوح عن الحاوية، الصادرة في العام 2006 عن دار الزمان بدمشق» يُناقش محتواها على منبر مركزه الثقافي، من قبل نخبة الأستاذة، والجمهور من المهتمين بالشأن الثقافي العام، والإبداعي بشكل خاص، وكان من ضمن الذين قدموا حينها دراسات نقدية حول محتواها، الدكتور ماجد أبو ماضي أستاذ النحو في جامعة دمشق، وأشار إلى أن هناك قصة تجاوز الكاتب من خلال شخصيتها الرئيسية “عتاب” كل الأبحاث العلمية التي تناولت تاريخ نشأة اللغة، إذ إن “عتاب” وفي العصور الساحقة، استطاعت أثناء رقصتها فوق الجمر، الإيحاء لبطل القصة “أحمد” بتدوين تلك الحركات على حائط المغارة، فكانت هي اللبنة الأولى، لانتهاء عصر اللغة الشفوي، وبداية لانتقال اللغة إلى حيز التدوين بالأحرف الأبجدية، والتي سوف يتنقل الإنسان خلالها إلى عصور متتالية في تجاوزها للماضي إلى أن نصل إلى عصر الرقميات الذي سيقوم به ” أحمد” باعتمار خوذة من الفولاذ، وهو يستنطق “عتاب” ليدون داخل “قرص مدمج” قياساتها المادية الخالية بالمطلق من كونها إنسانة كان لها الفضل الأكبر في تأنيث اللغة كبناء حضاري يضيف “تائها” إلى كل أصل ساهم بوجودنا داخل الطبيعة الأم، بالتوازي مع إضافات جمالية أخرى ساهمت بارتقاء القيمة الإنسانية الخيرة في داخلنا، وأذكر حينها أن الدكتور غسان غنيم، أستاذ الأدب الحديث في جامعة دمشق قد أدلى بدلوه للرد على الدكتور أبو ماضي معتبراً أن النص الأدبي لن يتحمل أن يحاسب نقدياً كنص علمي يبتغي الدقة في تقديم البراهين لإثبات صحته، وأذكر أن رئيس الجلسة في حينها قام باستدعائي إلى المنبر للدفاع عن النص: ولكن عن أي شيء أدافع، عن “عتاب” كقيمة حضارية استُبعدت بالتتابع الزمني عن منجزها الإنساني، لتغدو في عصر الرقميات سلعة منتهكة روحياً من قبل “أحمد” ..أم أدافع عن “أحمد” الذي نسي تاريخهما الإنساني معاً ليغدو محارباً يسخر معطيات العلم لصالح متطلبات “النيوليبرالية” التي لا تقيم وزناً سوى لذكوريتها المالية التي تستبعد التوءمين من صيرورة التاريخ، أم أدافع عن رأي في نشوء اللغة من دون أي دليل علمي يثبت ذلك، مستنداً إلى أن الإيمان المطلق بصحة أي فكرة سابقة ما هو إلا تأكيد لاستمرار خداع الذات التي سار عليها السواد الأعظم من البشر، وجعلها حقيقة لا تقبل الشك لإراحة عقولهم من البحث عن جديد، متناسين أن الأفكار الكبيرة التي نتداولها اليوم باعتبارها حقيقة راسخة لم تكن في بداياتها سوى كذبة صغيرة ابتدعها شخص ما، تماماً كما يُروج الآن على أن “السوبرمان” الأمريكي لا يمكن مقاومته، بينما في السابق القريب لم يكن سوى كذبة اخترعها الرأسمال الذكوري بعد انتهاء الحرب الكونية الثانية للسيطرة على العالم، وجعل الأفكار بالمجمل تحت سيطرته ولخدمته، ومنها اللغة، وإن لم تكن “عتاب” على علم بالتاريخ الذي سيقوم به الإرهاب بتدمير الحي الذي أثارت شخصيتها القصصية الإشكالية حواراً على منابره الثقافية، إلا أنها كانت على دراية بأن اللغة مازالت إلى الآن تلعب دوراً حاسماً في تشكيل الواقع الإجتماعي، لأي مجتمع كان، لذلك صرخت بوجه ” أحمد” وهي تغادر الجلسة بأن هناك حرفاً غائباً عنكم، حرفي الأخير الذي جعلكم تحت رحمة الحروب، قد يكون تجاهل البحث عن هذا الحرف، هو من جعل اللغة في الحاضر خطاباً ذكورياً بامتياز، يتم من خلاله ليس تعنيف المرأة وحسب، بل تعنيف أي مشروع يعيد للبشرية ثوب السلام الأنثوي !!.