أيّ تعاطٍ مع المسألة الزمنية، هو تعاطٍ محفوف بأقسى الشكوك، وأكثرها نأياً عن اليقين، بحكم الطبيعة الموّارة للمادّة المستهدفة بالتعاطي، كما في مثال الزمن الذي تناولته (سلطانات الرمل) من مراياه الصحراوية التي جعلته أكثر موراناً، وابتعاداً عن إمكانية الفهم والاستيعاء، ففي النصّ يتعالى التعاطي الزمني على إدراك الشخصيات الصحراوية التي تتعاطى مع الزمن بتلقائية سالبة تجعل التفكير الواعي فيه خارج نطاق الإمكانية الموضوعية؛ وعلى ذلك يتبدى التعاطي سلوكاً نمطيّاً يجعل أبناء الصحراء يعيشون بين قطبين متنافرين من الأقطاب العديدة التي يتمتّع بها الزمن الموضوعي بأبعاده الفيزيائية المُدرَكة بالتجربة البشرية، والقطبان هما الزمن الساكن الذي يبدو زمناً أبديّاً عاجزاً عن الحركة داخل الصحراء, باستثناء تتاليات بزوغ الشمس وغروبها, بوصف التتاليات علامات زمنية تحدّد الأيّام والتواريخ، في مشهد صحراوي ساكن عاجز عن مدّ الزمن بما يساعده على الحركة، ويظلّ الزمن بدوره عاجزاً عن ترك تأثيراته الدالّة على جريانه في دواخل المكان وفوق سطوحه، والقطب الآخر هو قطب الحركة القلقة المتواترة، وفق إيقاعات عنيفة تجعل الشاسعة الصحراوية حاضناً مثاليّاً لجريان الزمن ودورانه الباحث عن وضع علاماته الدالّة الخطيرة، وهو يرسمها بالدم النافر من رقاب المأخوذين بالثارات المتبادلة، بالتوازي مع الدماء النافرة من عروق الشهوات العنيفة والعشق الخطير، وهذا ما يمكن أن يبدو ماثلاً في انتباه إحدى (السلطانات) إلى الزمن، لتكتشف أنّه «الأكثر حضوراً والأكثر زوالاً».
لا يُستطاع الذهاب إلى أنّ (سلطانات الرمل) نصّ يجعل المسألة الزمنية هاجساً محوريّاً من هواجس الحكايات المجمّعة بلاصق يبدو رخواً في حال عزله عن التبئير المكاني. ولكن, أنّى للحكاية أن تحدث في معزل عن محاورها الزمنية؟ وأنّى لشخصيات فقيرة بالتحصيل الثقافي، أن تنسج تأمّلات عميقة في المسألة الزمنية، مهما بلغ ثراؤها بالتجارب؟ وعلى ذلك بدت الأنساق النصّية الخاصّة بتناول الزمن أنساقاً تجري داخل وعي السارد الضمني داخل النصّ، الذي يتيح له السرد فسحاً مناسبة للتأمّل وإطلاق التعاقيب والأحكام، ولأنّ الزمن لم يكن هاجساً نصّياً، فقد جاءت التعاقيب مبعثرة في الثنايا، وجاءت محكومة بافتقارها إلى ما يجعلها صادرة عن رؤية عميقة متكاملة للموادّ المستهدفة بالتأمّل، خلافاً لاستهدافها بالسرد، مع التنويه بالإتقان الذاهب إلى أنّ «النسيان والذاكرة لكلّ منهما بشرة محفورة بأظافر الآخر، صنوان خبيثان يستقرّ أحدهما في قلب الآخر» واختتام المشهد النصّي الشاسع بالسراب الصحراوي ذي الطبيعة الملغزة، ليتحول تفسير اللغز إلى لغز أدهى: «الصحراء لغز والسراب تفسير».