بعد عام من الفراغ أبصرت حكومة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي النور، وكان قد ترأس حكومتين في السابق، كمرشح توافقي للخروج من الجمود الناتج من الخلافات السياسية في البلاد، حيث نجح في تشكيل الحكومة التي غالباً ما يستغرق تشكيلها شهوراً طويلة جراء الانقسامات السياسية، لكن الانهيار الاقتصادي، الذي فاقمه انفجار المرفأ وتفشي فيروس كورونا جعل تشكيلها أمراً ملحاً.
الحكومة الجديدة سيكون من أولوياتها مجابهة تحديات ثقيلة وعلى رأسها إنقاذ اقتصاد البلاد المتعثر على وقع أزمة غير مسبوقة في تاريخ البلاد، إذ تعتبر مهمة إنعاش الاقتصاد المنهك أبرز تحد أمامها، كما يقع على عاتقها التوصل سريعاً إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي كخطوة أولى لإخراج لبنان من أزمته التي تتسم بنقص السيولة وبأزمات حادة في الوقود والكهرباء تنعكس على كل جوانب الحياة.
وفي هذا السياق قالت مديرة مركز كارنيغي في الشرق الأوسط، مهى يحيى: إنّ “الأولوية للحكومة هي في احتواء الانهيار”، ولهذه الغاية، يقول المحللون إن استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدات مالية يبدو ضرورياً.
وكانت المحادثات قد انطلقت في أيار 2020، وانتهت بعد شهرين من الخلافات في الجانب اللبناني حول الخسائر التي سيقع على الدولة تكبّدها والخسائر المترتبة على دائنيها الرئيسيين البنك المركزي والبنوك التجارية على وجه الخصوص.
وتشمل لائحة التحديات الطويلة تحقيق استقرار العملة الوطنية، ومكافحة التضخم المفرط والشحّ الذي يطول مواد رئيسة، وحسب مرصد الأزمات في الجامعة الأميركية في بيروت، قفزت تكلفة الغذاء بنسبة 700% في العامين الماضيين. ويعيش 78% من اللبنانيين حالياً تحت خط الفقر مقابل أقل من 30% قبل الأزمة، حسب الأمم المتحدة.
كما يتعين على الحكومة معالجة النقص الخطير في الأدوية والوقود والكهرباء والذي يعرّض الصحة العامة للخطر ويشلّ نشاط المستشفيات والشركات والصناعات، ويشكك المحللون في قدرة الحكومة على مواجهة كل هذه التحديات، لأن عمليات التدقيق في حسابات المصرف المركزي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي وكذلك مواءمة أرقام الخسائر التي تطالب بها هذه المؤسسة.
ويرى محللون اقتصاديون أنّ الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي يعني إصلاحين رئيسيين، إعادة هيكلة القطاع المصرفي والمصرف المركزي، وأيضاً القطاع العام، ولاسيما ديونه، غير أنّ إعادة هيكلة القطاع العام لها تأثير على الأحزاب السياسية، فهو المصدر الرئيس لتمويل نظامها الزبائني.
وعلى الصعيد السياسي يرى مراقبون، أنه يتعين على الحكومة الحالية استعادة الثقة المفقودة تمامًا في الدولة وتمهيد الطريق للانتخابات التشريعية المقبلة، وقد أكد رئيس الوزراء نجيب ميقاتي الجمعة الماضية أنّ الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في أيار 2022 ستقام في موعدها، وتُعدّ هذه الانتخابات حيوية للشروع في تجديد النخبة السياسية التي لم تتغيّر تقريبًا منذ الحرب الأهلية (1975-1990).
يبدو أن حكومة ميقاتي أمام تحد كبير ومهمات صعبة، لن تكون قادرة على تأمين حلول “سحرية” تضع حداً لمعاناة اللبنانيين اليومية جراء تداعيات انهيار اقتصادي صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، إذ يشترط المجتمع الدولي مقابل دعمها مالياً تطبيق إصلاحات جذرية في مجالات عدة وهنا يكمن الحل الذي انتظره لبنان طويلاً.