قبل الإشارات التي سأتناولها بخصوص المرأة في عصر “العولمة”، لابد من التنويه أولاً: بأن تلك الإشارات تصلح لأن تكون أسئلة وعناوين لأبحاث مستفيضة في المستقبل، أكثر من أن تكون موضوعاً متكاملاً في حد ذاته، لكون المساحة المخصصة لهذه الزاوية لا يمكن أن تفي بالغرض، وثانياً: لابدّ من الإشارة إلى أن مصطلح “العولمة” في العصر الراهن يشير إلى نمط اقتصادي يحاول السيطرة على أسواق العالم، سواءً من حيث الإنتاج أو من حيث الاستهلاك، تحت رعاية المؤسسات الاقتصادية العالمية الكبرى.
ولأن الإنسان، عبر تاريخه، لم يكن سوى عبد لحاجاته البسيطة ومتطلباته اليومية من أجل متابعة العيش، فلابدّ من أن تكون ثقافته العامة قادرة على الامتثال لهذا المطلب، بمعنى آخر؛ إن الإنسان لن يستطع في سلوكياته اليومية تجاوز النمط الاقتصادي المفروض عليه من قبل الراعي المسيطر، ولأن أقطاب “العولمة” يدركون هذه المتلازمة الأبدية بين الثقافة والاقتصاد، فقد استحدثوا مؤسسات أخرى ملازمة للمؤسسات الاقتصادية لتكتمل دائرة “العولمة”، والتي بدورها لن تتخلى عن الامتثال لأوامر محورها الرئيس المتمثل برغبة “النيوليبرالية” في السيطرة على العالم، وبما أن “النيوليبرالية” على دراية بأن “المرأة” هي ،أيضاً، المحور الأكثر صلابة الذي تدور حوله البشرية، كان لا بدّ من إضعاف مركزيتها في عالم الإنسان بطرق مستحدثة ظاهرها: الارتقاء كأم كونية تحمل خصوصيتها في ذاتها، وباطنها: إبعادها عن المكون الثاني للبشرية إلا وهو الرجل، والنتيجة هي ثقافة مفككة تشيئية يسهل من خلالها استعباد البشرية بأسهل السبل، وجعلهم أدوات طائعة لما تمليه عليهم شرطية الاندماج بـ”العولمة النيوليبرالية” ..
– لم تكن المؤسسات التي تنادي بتحرر المرأة هي وليدة العصر الراهن، فقد وجدت مع عصر النهضة الأوروبي، واستطاعت حينها تحقيق أهداف غاية في الإنسانية، أهمها المساواة مع الرجل في الحقوق والواجبات المدنية، والاقتصادية والسياسية.. في عصر “العولمة” تم استغلال تلك المنجزات ومؤسساتها، لصالح استعبادها من جديد، وبمطالعة قصيرة لما يُطرح بشأن المرأة في المجتمعات الحديثة يشير بالمطلق إلى هذا، فعلى سبيل المثال نرى أن الخطاب النقدي الثقافي الذي يشير إلى أن هناك منجزات نسوية لا تخص الرجل، ومنها الأدب النسوي المنفصل عن الأدب بالعام، من دون الإشارة إلى أن هناك مكملاً يدعى أدب الرجال لهو دليل على خطاب ذكوري غايته الإقلال من شأن المرأة وفصلها بالكامل عن المسيرة الإبداعية التي تستهدف في غايتها الإنسان بعيداً عن الجنس واللون والهوية، وبمراجعة بسيطة للشاشة الزرقاء سوف ندرك بأن هناك أيادي ذكورية خفية تساهم بإعلاء الأدب الرديء الذي يُكتب بأقلام نسائية، ويقدم على أنه أدب نسوي، ولا ننسى الصور التي تُظهر مفاتن النساء، وتحصد بموجبها النصوص المرافقة الثناءات المجانية والسخرية الذكورية المخفية من المرأة الكاتبة، ويتكرر هذا، وإن كان بصور مختلفة، في الكثير من مناحي الحياة اليومية، بما تحتويه من مجالات اقتصادية وعمالة ومؤسسات وجمعيات تخص المرأة في حد ذاتها. وفي المجمل نستطيع الوصول إلى نتيجة قوامها أن “العولمة” بثوبها “النيوليبرالي” تسعى إلى فصل المرأة عن محوريتها في عالم الإنسان، واستبدال خطابها الأزلي كأم كونية، بخطاب كراهية ضد الرجل، ولا بدّ من التنويه بأن الذكورة “النيوليبرالية” هي من تقود هذه المسيرة بدم بارد، والنساء يدخلن اللعبة دون أن يَعين بأنها شكل مستحدث لإعادة أرواحهم إلى ثقافة الوأد !!..