تجاور أفغانستان دولاً آسيوية مهمة وجميعها تحاول أن تقيم علاقات معها نظراً لأهمية موقع أفغانستان، ولعل أبرز الدول المجاورة لأفغانستان هي الهند والصين وباكستان وإيران وكل واحدة منها لها مصالح في هذا البلد، وعقب تولي طالبان الحكم في كابول تسعى الدول الأربع إلى تدشين علاقات جيدة مع حكام أفغانستان الجدد، هذا ما أوضحه مقال تحليلي نشره «مركز الدراسات الإستراتيجية العالمي» جاء فيه:
يبدو أن الحكومة الصينية تشعر الآن بارتياح ضمني من سقوط الحكومة الأفغانية وسيطرة حركة طالبان على أفغانستان، حيث برزت إشارات عديدة صدرت من بكين دالة على ارتياح ضمني يشوبه الحذر، وفي هذا الصدد قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية هواتشونينغ: إن السفارة الصينية في أفغانستان تواصل العمل كالمعتاد ، وسيظل السفير وجميع العاملين والموظفين مستمرون في عملهم.
وجاء في المقال أن معظم الرعايا الصينيين غادروا أفغانستان في وقت سابق وعادوا إلى الصين، لكن من بقي فقط هم الأفراد الذين لديهم اتصال وثيق مع السفارة، وأكدت الناطقة باسم الخارجية الصينية أن لبكين علاقات واتصالات راسخة وقوية مع طالبان إذ أكد قادتها رغبتهم في بناء علاقات جيدة مع الصين، وأضافت الناطقة: حركة طالبان أعربت عدة مرات عن رغبتها في إقامة علاقات جيدة مع الصين.
وفي ضوء التوقعات بمشاركة الصين في عملية إعادة بناء أفغانستان وتنميتها فإن طالبان لن تسمح لأي قوة باستخدام الأراضي الأفغانية لإلحاق الضرر بالصين.
والسؤال الذي يدور في ذهن القيادة الصينية، هل ستدعم طالبان الإيغور؟
ما لا شك فيه أن القيادة الصينية يساورها الكثير من القلق إزاء إمكانية أن تصبح أفغانستان ملاذاً آمناً مجدداً للعناصر التي تصفها بكين بالمتشددة والانفصالية من أقلية الإيغور، حيث استضافت أفغانستان في الماضي مجموعات إيغورية انفصالية تابعة لما يعرف بـ”حركة تركستان الشرقية” التي كانت ترمي إلى إنشاء دولة مستقلة تسمى بـ”تركستان الشرقية” في مقاطعة شينجيانغ غرب الصين.
وفي مقابلة مع أندرو سمول، الخبير في السياسة الخارجية الصينية بصندوق مارشال الألماني بالولايات المتحدة قال: من الواضح أن هناك مسلحين من الحزب التركستاني في أفغانستان، وأضاف: لدى الصين مخاوف حقيقية تتعلق بمكافحة الإرهاب في أفغانستان، لافتاً إلى أن موقف حركة طالبان الغامض حيال المتطرفين الإيغور من شينجيانغ من المرجح أن يثير توترات بين بكين والحكومة الأفغانية المقبلة.
وأضاف سمول: السؤال المهم حالياً، هل طالبان في الوقت الراهن هي نفسها الحركة التي كانت في الحكم قبل عشرين عاماً؟
يشير سمول إلى أن لحركة طالبان علاقات قوية ومعقدة مع الجماعات المتطرفة والإرهابية لدرجة أنه من السابق لأوانه معرفة مدى قلق الصين حيال مصير أفغانستان خلال حكم طالبان.
ورغم أن طالبان تحدثت عن رغبتها في بناء علاقات قوية مع الصين خلال اللقاءات الأخيرة بين قادة الحركة والمسؤولين الصينيين إلا أن سمول حذر من أن مواقف طالبان وتعهداتها قد تتغير.
وعلى ضوء التطورات الأخيرة في أفغانستان وسيطرة طالبان على زمام الأمور فيها باتت الحكومة الهندية برئاسة رئيس الوزراء ناريندرا مودي في مأزق، إذ كانت سياسة نيودلهي تجاه طالبان مناهضة لها، حيث ترأس مودي اجتماعاً للجنة الوزارية المسؤولة عن الأمن لمناقشة مصير العلاقة مع أفغانستان وسيطرة طالبان.
وقال مسؤول بارز في الحكومة الهندية: سنبقى منفتحين ونراقب خطوات طالبان خلال المرحلة الانتقالية وما بعدها وسنعمل على تقييم مدى شمول الحركة في استيعاب المكاسب التي تحققت خلال الأعوام العشرين الماضية.
وحذر مراقبون من أن الاستثمارات الهندية في أفغانستان باتت في خطر عقب استيلاء طالبان على السلطة مع العلم أنها تجاوزت الـ 3 مليارات دولار أي ما يعادل 2.6 مليار يورو في قطاعات البنى التحتية بما في ذلك أكثر من 400 مشروع في أنحاء أفغانستان.
وقد حذر محللون من تعرض هذه الاستثمارات للخطر عقب سيطرة طالبان، واللافت أنه بعد أن تعهدت الهند بتقديم 3 مليارات دولار ودعمت الحكومة الأفغانية على مدى العقدين الماضيين أصبحت نيودلهي بين شقي الرحى حيث باتت المساعدات التنموية في خطر التراجع بشكل كبير، مشيرة إلى أنه يتعين على نيودلهي أن تأتي بسياسة براغماتية وذكية للانخراط مع طالبان، وأضافت: ذلك الأمر يعد ضرورياً من أجل ضمان استمرار المساعدات التنموية الحالية والمقدمة للشعب الأفغاني والحفاظ على المكاسب التي تحققت خلال الأعوام الماضية إلى جانب الحيلولة دون وقوع أزمة إنسانية.
ويعتقد محللون آخرون أن أفغانستان في ظل حكم طالبان ستشكل تحديات أمنية للهند لأن هناك جماعات أفغانية تنشط منذ سنوات ضد الهند وهي تتدرب على الحدود الأفغانية- الباكستانية في معسكرات تدريب خاصة.. وانطلاقاً من المنطقة الحدودية تشن هذه الجماعات هجمات في الهند. وفي أعقاب سيطرة طالبان على أفغانستان، فإن مسلحي هذه الجماعات قد يكتسبون جرأة أكثر ويحصلون على مناطق نفوذ أكبر لتنفيذ هجماتهم.
بالنسبة لباكستان وعلاقاتها مع حكومة كابول الجديدة فهي دعمت لعقود حركة طالبان لأسباب أهمها الحصول على عمق إستراتيجي في الصراع مع الهند، إلا أنها ستواجه مخاوف أمنية مع أفغانستان الخاضعة لسيطرة طالبان وبشكل رئيسي الخطر الناجم حيال حركة «طالبان باكستان» وهي جماعة إرهابية مسؤولة عن قتل عشرات الآلاف من الباكستانيين وقد ازدادت جرأتها ونشاطها في الآونة الأخيرة.
ولفت مراقبون إلى أن نفوذ باكستان داخل طالبان سيكون في الوقت الحالي أقل مما كان عليه الأمر خلال حكم طالبان لأفغانستان في الفترة ما بين 1996-2012، لكن باكستان تطمح في انضمام كابول إلى مشروع الممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني الضخم الذي يضم مشاريع بنى تحتية بقيمة 62 مليار دولار.
أما إيران فتساور قيادتها مشاعر متباينة حيال التطورات الأخيرة في أفغانستان، فمن جهة تبدو طهران سعيدة بمغادرة القوات الأمريكية أفغانستان، لكنها من ناحية أخرى قلقة حيال استقرار وأمن أفغانستان. وحتى الآن جرى تسجيل قرابة 750 ألف لاجئ أفغاني رسمياً في إيران، فيما يبلغ عدد اللاجئين الأفغان الذين يعيشون في إيران أكثر من مليوني شخص، وعقب سيطرة طالبان على كابول يواصل الآلاف من الأفغان الفرار من البلاد وهو ما يثير القلق لدى إيران التي تشترك مع أفغانستان بحدود طولها 950 كم.
*مركز الدراسات الإستراتيجية العالمي