لن يساومك على دم أخيه من حفر نفق حريته بيديه رغماً عن أنف سجّانه، ولن يألو جهداً أن يفقأ العين التي ترى أخاه في الوطن دخيلاً وأرضه مشاعاً..
ستة أسرى فلسطينيين انتزعوا حريتهم من جلاديهم في معتقل الاحتلال في جلبوع، شديد التحصين. حفروا الأرض لأشهر، ليشيدوا نفقاً إلى الشمس، ويزرعوا في أرض فلسطين شجرة أخرى للحرية، ويؤكدوا للكيان الصهيوني وداعميه وكل قوى العدوان في العالم، أن من يختار النضال عقيدة، والحرية سبيلاً، لن تستطيع قيود الاحتلال، وجدران الدنيا كلها أن تقف في طريقه.
لا شك أن «نفق الحياة» شكل ضربة قوية للمنظومة الأمنية الإسرائيلية، لكن مفاعيل الضربة زلزلت هذا الكيان وجعلته يقف متفرجاً عاجزاً لا يملك سوى التسليم والاستسلام لإرادة الحياة والكفاح التي تهزمه في كل مرة.. وستبقى تهزمه مهما أوغل في وحشيته ضد الشعب الفلسطيني.
هذا الشعب هو النصف الثاني من معادلة «الأرض والسكان» التي يسعى كيان الاحتلال الإسرائيلي إلى إسقاطها، فإذا كان يعتدي على الأرض بالاحتلال والاستيطان، ويمضي بممارسات التهويد للنيل من صمود الشعب الفلسطيني داخل بلاده فلسطين, بالقتل والتهجير والاعتقالات.. وخارجها عبر تصفية حق العودة، فإن مساعي الاحتلال لإسقاط حقوق اللاجئين الفلسطينيين وحرمانهم من العودة إلى وطنهم، أي إسقاط أحد المقومات الأساسية للدولة الفلسطينية الموعودة باءت بالفشل.
اليوم ثمة محاولات جديدة من كيان الاحتلال الإسرائيلي لاستهداف قضية اللاجئين الفلسطينيين عبر استهداف الوكالة الأممية التي تعنى بشؤونهم وحقوقهم أي وكالة “أونروا”.. يدعمها في ذلك –كالعادة– الولايات المتحدة الأميركية، علماً أن هذا الاستهداف ليس الأول لـ”الأونروا”، ولكنه هذه المرة مختلف بحكم أن “أونروا” اليوم طرف، إذ إنها برأي المراقبين والمحللين خرجت من موقع المستهدف لتكون مشاركاً في الاستهداف نفسه، أي استهداف الشعب الفلسطيني، عبر توقيعها على اتفاق مع الولايات المتحدة يفرض عليها شروطاً تعجيزية مقابل عودة التمويل الأميركي لها.. وعندما نقول شروطاً تعجيزية فإن الهدف هو الشعب الفلسطيني، فهذه الشروط مفروضة عليه حتى يصبح مُستحقاً للمساعدات المالية وللخدمات التي تقدمها “أونروا”.. والأخطر حتى يستمر في صفته لاجئاً له حقوق على رأسها حق العودة.
منذ عقود تسعى “إسرائيل” إلى تقليل أعداد اللاجئين الفلسطينيين إلى الحد الأدنى، حتى ينتفي وجودهم، فيخرجوا من دائرة الضوء الدولية، وإذا ما حدث ذلك فإن عدد الشعب الفلسطيني سيتقلص إلى النصف (حسب أحدث الإحصائيات يبلغ العدد 7.13 ملايين فلسطيني منهم ما يناهز 6 ملايين لاجئ) وهذا كله سيكون له حساباته في ما يسمى مفاوضات الحل النهائي، والتفاوض على الدولة الفلسطينية الموعودة.
كان هذا هدف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وصفقته المشؤومة «صفقة القرن» وقد فشل في تحقيقه، واليوم يأتي الرئيس جو بايدن ليجرب حظه، عسى ولعل.. ولكن سريعاً جاءه الجواب من أبطال نفق الحرية، بأن الفشل مآله كما كان مآل ترامب وكثيرون ممن حاولوا سلب الفلسطيني أرضه وحقوقه في دولة مستقلة.. وسيكون عليه مراجعة حساباته كما فعل من سبقوه، وأن يسأل نفسه السؤال التالي على خلفية “الحياد” الذي يطلبه حتى يُصبح الفلسطيني مستحقاً لمساعدات “أونروا” ولجنسية فلسطين.. والسؤال: كيف يمكن لأي أحد كان أن يطلب من الفلسطيني أن يكون محايداً تجاه قضايا وطنه، وأن يكون منزوع الإنسانية تجاه دم شعبه الذي يُهدر أمامه بفعل وحشية آلة الحرب الإسرائيلية التي لم تتوقف عن الدوران منذ ذلك العام المشؤوم 1948..
ليسأل بايدن نفسه، هل بإمكانه أن يكون محايداً تجاه بلده، ومواطنيه، أليست إدارته، وكل الإدارات الأميركية السابقة، غزت- ومستعدة لتغزو كل العالم في سبيل أن تبقى الولايات المتحدة محتفظة بقوتها ونفوذها.. أساساً هل يسمحون لبايدن وغيره أن يكون محايداً تجاه الولايات المتحدة؟ وهل يبقى خارج المحاسبة والمسائلة القانونية/ والشعبية إذا هو فعل ذلك؟
رغم كل ما سبق ستستمر المخططات الأميركية الصهيونية، في استهداف قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة عبر استمرار التركيز على عامل الوقت واللعب على صبر الفلسطينيين ومساومتهم على أرضهم وعلى خيارات البقاء، بهدف حصرهم في أعداد ضئيلة تضيع ضمن «أغلبية» إسرائيلية تحكم الأرض.. ولكنهم في كل مرة سيجدون بمواجهتهم أبطالاً كأبطال نفق الحياة.