يبدو أن قرار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان قد غير من إستراتيجيات الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي في التعامل مع الأزمات على الساحة الدولية، خاصة في حسابات “الربح والخسارة”، حيث كشف هذا القرار مدى اعتماد الأوروبيين على القدرات الأمريكية والصعوبة التي يواجهها الاتحاد في إجلاء رعاياه من أفغانستان، ما يعكس عدم جاهزية القارة العجوز عسكرياً لمواجهة الأزمات، فمن دون الدعم العسكري الأمريكي لم يتمكن الأوروبيون من إجلاء أفرادهم والقوات الأفغانية المحلية من كابول.
وقد بدا واضحاً أن قرار الانسحاب أثار استياء القارة العجوز، حيث اضطر حلف شمال الأطلسي إلى إنهاء مهمته التي استمرت عقدين من الزمن مؤثراً على وحدة الصف داخل الحلف، إذ ينصب تركيز “ناتو” الآن على ضمان المغادرة الآمنة للأفراد من دول الحلفاء والدول الشريكة، وبدا الأوروبيون ينظرون بعين الشك حول الدور الأمريكي في العالم، خاصة بالنسبة إلى الحلفاء الأوروبيين الذين شعروا بالخذلان الشديد بعد انضمامهم إلى مشروع أفغانستان، وحتى الوزراء البريطانيون، الذين يشعرون بـ”علاقتهم الخاصة” مع واشنطن، انتقدوا علناً قرار الرئيس بايدن.
وفي هذا السياق وصف وزير الدفاع البريطاني “بن والاس” القرار الأمريكي بالانسحاب من أفغانستان، بأنه فشل للمجتمع الدولي الذي لم يفهم أن الأمور لا تُحلّ في ليلة وضحاها؟. وكان جان إيف لودريان وزير الخارجية الفرنسي قد أعرب في 13 تشرين الأول 2020 عن معارضة بلاده لخطط الولايات المتحدة سحب قواتها من أفغانستان من جانب واحد، في ظل الحرب المتواصلة ضد ما سماه التطرف، وأكد على أن الحكومة الفرنسية خلصت إلى أن “هذا أمر لا يجب فعله”.
وتأتي ألمانيا في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية من حيث المساهمة بقواتها في أفغانستان خلال العقدين السابقين بحوالي (150) ألف فرد. ودعت انغريت كرامب-كارينباور وزيرة الدفاع الألمانية حلف “ناتو” في آب 2021 إلى استخلاص العبر من فشله في أفغانستان.
واعتبرت أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية تطور الوضع في أفغانستان بأنه “مرير ومأساوي ورهيب” ملمحة إلى أن قرار الانسحاب الذي اتخذته واشنطن اتخذ لأسباب سياسية داخلية أمريكية.
وفي المقابل لم يعترف الرئيس الأميركي جو بايدن في خطابه الأخير بشأن أفغانستان، بارتكاب أي خطأ خلال عملية الانسحاب التي شابتها الفوضى من ذلك البلد، لكن في الخفاء تبدو الصورة مختلفة تماماً.
ونقل موقع “بوليتكو” الأميركي عن مسؤولين داخل إدارة بايدن رفضوا الكشف عن أسمائهم قولهم إنهم “مرعوبون” من الطريقة التي سارت بها عملية الانسحاب.
وأضافوا: إنهم لا ينظرون إلى المهمة على أنها ناجحة، بخلاف ما قاله بايدن في العلن، إذ قال إن المهمة “نجحت بشكل غير عادي”، ولا يمكن أن تنتهي بلا فوضى.
يبدو أن انسحاب القوات الأمريكية طرح الكثير من المشاكل الإستراتيجية، من خلال تنامي التهديدات الإرهابية على الأمن القومي الأوروبي، وأصبح الأوروبيون يواجهون العديد من الأسئلة التي لا مفر منها. في المقام الأول، تدور هذه الأمور حول أفضل الطرق لإيصال مواطنيهم ومن عمل معهم إلى بر الأمان من كابول، لكن في المستقبل، يجب أن يأخذوا في الاعتبار الدروس المستفادة من التجربة الأفغانية لسياساتهم المتعلقة بالأمن في العلاقات مع الولايات.