«متلازمة هافانا».. لغز آخر يؤرق الولايات المتحدة

من هافانا عاصمة كوبا وتحديداً من السفارة الأمريكية، بدأ اللغز.. لغز ما يسمى بـ “متلازمة هافانا”، عندما كشفت أودري لي في الـ 2016، وهي موظفة في السلك الدبلوماسي الأمريكي بعد عودتها من الولايات المتحدة إلى هافانا عن أعراض مرضية غريبة أصابتها بالذعر تمثلت بدوار وضغط مفاجئ وألم شديد جداً في رأسها مع تسارع أنفاسها، واللافت أنه لم يكن هذا حال /لي/ وحدها، بل العديد من زملائها الدبلوماسيين المقيمين في تجمع السكن الدبلوماسي الأمريكي في هافانا.. ثم  تبعها عدة إصابات في عام 2017 في سفارات أخرى، عندما أبلغ موظفون ودبلوماسيون أمريكيون تابعون للقنصلية الأمريكية في قوانغتشو في الصين بأعراض وعلامات مماثلة لأعراض وعلامات “متلازمة هافانا” وإن بدرجات متفاوتة.

ولا يزال العديد من هؤلاء الموظفين- الدبلوماسيين يعانون منه.. وكانت آخر الإصابات المسجلة في العاصمة النمساوية فيينا، المعروفة بأنها لطالما شهدت حضوراً دبلوماسياً أميركياً لافتاً، وخاصة في السنوات الأخيرة، كما سجلت حالات مرضية مشابهة لدى دبلوماسيين أمريكيين في دول إفريقية، وفي طاجكستان وروسيا، ما يؤكد أن الأمر لو استمر على هذه الحال دون معرفة أسبابه فإن ذلك قد يؤدي إلى أزمة بين الولايات المتحدة والدول التي سجلت فيها إصابة الدبلوماسيين الأميركيين بـ”متلازمة هافانا”، فما هو هذا المرض وما هي أعراضه؟

في تقرير صدر حديثاً عن الأكاديميات الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة تحت عنوان «تقييم متلازمة هافانا لدى موظفي الحكومة الأمريكية وعائلاتهم في السفارات بالخارج» فإن الأعراض: «تشمل ظهوراً مفاجئاً للضوضاء في إحدى الأذنين أو كلتيهما أو عبر منطقة واسعة من الرأس، إلى جانب دوخة ودوار يتبعهما بعض الطنين ومشاكل بصرية وصعوبات في التنفس والإدراك».

بالنظر إلى أعراض المرض من أصوات مزعجة وضغط عال ودوار نجد أن العديد من الفرضيات تشير إلى أن السبب المباشر للمرض يدور حول هجوم غير معروف من الأسلحة الصوتية التي تطلق موجات كهرومغناطيسية قصيرة وربما طويلة المدى في بعض الأحيان بهدف استهداف مبان حكومية وسكنية كجزء من عملية استخباراتية أو محاولة متعمدة لضرب مسؤولين بضربات غير مرئية يصعب فهمها، خاصة وأن الأعراض غير المعتادة التي أبلغ عنها موظفو وزارة الخارجية الأمريكية تتوافق مع تأثيرات طاقة الترددات اللاسلكية.

كما ذكرت مجلة «نيويورك تايمز» أنه تم الإبلاغ عن عدد من المصابين من ضباط وكالة المخابرات المركزية في أوروبا وآسيا، منهم الضابط الأمريكي مارك بوليمروبولوس الذي تقاعد العام الماضي بعد مسيرة مهنية طويلة والذي أكد أنه لا يزال يعاني من آثار إصابة دماغية حادة تعرض لها خلال رحلة له إلى موسكو.

وترجح دراسة طبية أخرى أن “متلازمة هافانا”  نشأت بسبب أزمة فيروس زيكا التي حدثت عام 2016 (وفيروس زيكا هو من جنس الفيروسات المصفرة التي تنقلها حشرات البعوض، وقد كُشِف عنه لأول مرة لدى القرود بأوغندا في عام 1947، ومن ثم لدى الإنسان في عام 1952 بالبلد نفسه وبجمهورية تنزانيا المتحدة.

وسُجِّلت تفشيات اندلعت من مرض فيروس زيكا في كلّ من إفريقيا والأمريكتين وآسيا والمحيط الهادئ، ولم يُكشف خلال الفترة الممتدة بين حقبتي الستينيات والثمانينيات إلا عن حالات نادرة ومتفرقة لإصابة الإنسان بعدوى هذا المرض عبر أنحاء إفريقيا وآسيا، والتي اقترنت في العادةً بالإصابة باعتلالات خفيفة.

وقد أُبلِغ في عام 2007 عن أول فاشية سُجِّلت من مرض فيروس زيكا كانت قد اندلعت في جزيرة ياب (ولايات ميكرونيزيا الموحدة).

وهذا الفيروس يؤدي إلى تلف واضح في جزء صغير من المخ، وتعتبر مناطق التلف التي عانى منها الدبلوماسيين الأميركيون المسؤول الأساسي عن إفراز أنزيمات «الكوليستراز» الضرورية لعمل الجهاز العصبي والتي تساهم بشكل كبير في عمليات التركيز وتشكيل الذكريات إلى جانب إصابة قاعدة الدماغ وهي المنطقة المسؤولة عن التوازن والنوم.

بعض المحللين يرون أن المبيدات الحشرية قد تكون السبب في حدوث هذا المرض وذلك استناداً لتحاليل الدم المأخوذة من الدبلوماسيين والتي أظهرت وجود نسبة من المبيدات الحشرية التي تتداخل مع أنزيم معين.

ويرجح المحللون أن هذه المبيدات الحشرية هي من تسبب متلازمة هافانا، وهي ذاتها المستخدمة في مكافحة فيروس زيكا.

وفي هذا السياق يعلق البروفيسور الأمريكي ألون فريدمان المختص بدراسة أمراض الصرع في جامعة دال هوزي في كندا قائلاً: لا يوجد دليل لإثبات صحة أن المبيدات الحشرية هي من تسبب متلازمة هافانا،  فليس من المعقول تعرض أكثر من بعثة دبلوماسية لمبيدات حشرية ولو عن طريق الصدفة، لكن هذه النظرية ربما تقدم تفسيراً معقولاً لما حدث يتجاوز النظريات الغربية عن ارتباط أسلحة من نوع معين بهذا المرض.

ويفيد محللون آخرون أن الأبحاث التي أجراها الاتحاد السوفييتي سابقاً  قبل أكثر من 50 عاماً حول تأثيرات الترددات على البشر قد تكون السبب في ظهور تلك الأمراض، يوافقهم في ذلك مجموعة من الخبراء الطبيين والعلميين الذين أكدوا أن أعراض “متلازمة هافانا”  تتفق مع تأثيرات طاقة الترددات والموجات، فالدراسات المنشورة منذ أكثر من نصف قرن وعلى مدى العقود اللاحقة توفر دعماً ظاهرياً لهذه الآلية.

ومع اختلاف التفسيرات والنظريات حول ماهية هذا المرض، يرى علماء أمريكيون أن المرض ناجم عن موجات إشعاعية متناهية في الصغر.

وسبق أن اتهم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب كوبا، وبشكل مباشر، بارتكاب هجمات غير محددة تسببت في ظهور هذا المرض، مما دعا آنذاك الولايات المتحدة إلى تخفيف عدد العاملين في سفاراتها إلى الحد الأدنى، إلا أن تقريراً آخر صدر مؤخراً أشار بأن الخبراء الذين يحققون في أصل ما يسمى بـ “متلازمة هافانا” التي تصيب البعثات الدبلوماسية الأمريكية لم يتمكنوا من العثور على دليل يؤكد تورط كوبا أو أي دولة أخرى مثل روسيا أو الصين اللتين كانتا أيضاً في دائرة الاتهام.

وكانت وزارة الخارجية الروسية وصفت التقارير التي تتحدث عن ضلوع روسيا فيما يسمى بـ “متلازمة هافانا” بين موظفي البعثات الدبلوماسية، بأنها مزيفة.. وكذلك فعلت كوبا.

ورغم عدم التوصل إلى التقنية التي تجري بها إصابة دبلوماسيين أمريكيين، إلا أن هناك نحو 130 تقريراً يتحدث عن إصابات بمتلازمة هافانا في جميع أنحاء العالم على مدار السنوات الخمس الماضية.. ولكن حتى الآن لم يُعرف السر الكامن وراء المتلازمة، لتبقى «لغزاً يؤرق الولايات المتحدة.. ومعها العالم الذي دائماً ما يتوجس شراً من النيات الكامنة وراء الأفعال والأقوال الأميركية».

عن «موقع الدراسات الإستراتيجية العالمي»

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار