شُوِّهت مقطوعةُ بيتهوفن “For Elise” وانتُزعت من سياقها الحقيقي كتحفة موسيقية كان أهداها لحبيبته، وأصبحت مرتبطة في ذاكرة نصف البشرية بالصوت الذي تصدره السيارات وهي تعود إلى الوراء أو تُركَن في الكراج!
وهكذا انُتزِعت عشرات المقولات لمشاهير الأدب والشعر في العالم من سياقها الأدبي والتاريخي وأصبحت متداولة بشكل مغلوط أو محرَّف كأنْ توضع عبارة لـ(غاندي) مثلاً على لسان ( جبران خليل جبران) أو تصبح جملة مؤثرة لدوستويفسكي هي الدمغة الأبدية لـ(نيتشه).
بل وصل التشويه إلى أن بعض عباقرة السوشيال ميديا ينسبون أقولاً تافهة أو نُكتاً سخيفة لأولئك الأدباء الذين سترتعد عظامهم لو عرفوا في أي مهزلةٍ وضعهم فيها “عشاق الحكمة” الفيسبوكيون.
وبدهيٌّ أنه ليس بالضرورة أن يكون الفيلسوف الفلاني الذي تم الاقتباس منه قد قال ذلك فعلاً أو ربما قاله بغير سياق وغير زمان وفي بيئة لا تشبهنا، كما أن الذي وُضِعَ الاقتباس على لسانه قد يكون أصلاً من أشدّ الذين يعارضون تزوير الأفكار بحجة التداول.
هكذا يغطس البعض مبتهجين في التشوش والضبابية، وواهمين بأنهم إن رددوا تلك المقبوسات صاروا من أصحاب الرؤى والنبوءات، فيما البعض الآخر “يلطش” ويسرق وينسخ ويلصق أفكار الغير بوقاحة الادعاء أنها له.
نعم، قد يقول أحدهم «إن الأفكار مشاعٌ ملقاةٌ على قارعة الطريق» ويحق للناس تداولها، لكن حبذا لو فعلوا ذلك بالكثير من الدراية والقليل من آداب الاقتباس الفكري.
يبدو أنه في عالم الغبَشِ المُزرقّ الافتراضي هذا كأنه محكوم على المرء بأحد أمرين: إما أن يكونَ “جاهلاً ومطوَّباً مع الكثير من اللايكات الزائفة…أو أن يكونَ مدركاً وعارفاً وصادقاً… ولو مع “لايكٍ” وحيد على شكل قلب.