لم يرض الكاتب العالمي جان لوكاريه، الذي توفي مؤخراً، أن يغادر دنيانا قبل أن يدلي بشهادته حول مزاعم “استخدام السلاح الكيماوي في سورية وقبلها في العراق”، فثبّت هذه الشهادة في روايته (المدير الليلي)، وكشف دور مسؤولين كبار في المخابرات البريطانية والخارجية الإنكليزية في تزويد الفصائل المسلحة الإرهابية في سورية بأنواع من الأسلحة المحرمة بينها غاز السارين والنابالم والقنابل العنقودية، وفضح ( لوكاريه) شراكة هؤلاء المسؤولين البريطانيين الكبار في تجارة هذه الأسلحة وإيصالها إلى سورية والإشراف على استخدامها من قبل الإرهابيين، مسوغين أفعالهم بـ«مصالح بريطانية عليا»!
لوكاريه، الذي بدأ حياته جاسوساً في ألمانيا لمصلحة المخابرات البريطانية أثناء الحرب العالمية الثانية ثم تفرغ منذ نهاية هذه الحرب لكتابة قصص الجاسوسية، واستمر في نقد وفضح أعمال المخابرات البريطانية في تضاعيف رواياته، وهذا ما فعله في (المدير الليلي)، حيث فضح علاقة وشراكة تاجر سلاح بريطاني (ريتشارد روبر) مع كبار مسؤولي المخابرات والخارجية في بريطانيا وتشمل الفضيحة كيف يبيع هذا التاجر السلاح المحرم ومنه الكيماوي إلى مشترين عرب ويوصله إلى شمال سورية مع قصة قديمة له تكشف دوراً قام به في هجوم كيماوي في كردستان العراق، وتضيء الرواية على علاقة تاجر السلاح هذا بفاسدين من رجال أعمال كبار في دول عربية يساعدونه ويشترون منه هذه الأسلحة ويكلفونه بأعمال ينفذها في البلدان العربية وخاصة سورية عبر عناصره المرتزقة (جيشه)، حيث يقول في أحد حواراته: إن «جيشه يبيع السلاح ويدرب العناصر المحلية عليه ويوصله إلى المكان المطلوب، ويقوم (جيشه)، إذا طلب منه، بأعمال الاغتيالات والانقلابات وتدمير المواقع والقضاء على جماعات مقابل المال» وشركاؤهم كبار مسؤولي المخابرات البريطانية، صحيح يشاركونه الأرباح، لكنهم يسوغون أفعالهم بأنها «عمل رسمي يخدم السياسة البريطانية في المنطقة».
ويزيد من قوة ما تطرحه هذه الرواية أن هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» قامت بإنتاجها في مسلسل تلفزيوني قصير (ست حلقات) كتب السيناريو والحوار له ديفيد فار، وأخرجته سوزان بير، وتبث حالياً على منصات التدفق الرقمي، وكذا لدينا رواية يكتبها جاسوس خبر أعمال المخابرات البريطانية من داخلها، ويقدم شهادته عن دورها في إيصال وإدارة استعمال السلاح الكيماوي في سورية، والأهم أن جهة بريطانية موثوقة كالـ«بي بي سي» تنتج الرواية في مسلسل، أي إننا أمام شهادة من كاتب بريطاني خرج من قلب المخابرات البريطانية ليكشف أفعالها، وأننا أمام جهة إنتاج محترمة، وكل ذلك يزيد من قوة ومصداقية ما عبرت عنه رواية (المدير الليلي) حول دور بريطانيا في جريمة الكيماوي في سورية.