إذا أخذنا الشعر، كنسق ثقافي معرفي، وأخضعنا -على وجه الخصوص- نصوصه الفيسبوكية المعاصرة للتحليل، فسوف تكشف استراتيجية “النيوليبرالية” الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية، النفسية، عن وجهها الحقيقي.
لنأخذ على سبيل المثال مئة نص، إلى المخبر النفسي، ونخضعهم لعملية التشريح، مع مراعاة الابتعاد عن النقد الفني الأكاديمي للشعرية، والتي لا بدّ أن توسم النص باسمها في عالم الإبداع.. أؤكد بضرورة الاتجاه نحو العامل النفسي الذي أوجد النص، وباح بما تحتويه شخصية كاتبه من تراكمات فرضها عليه عصر التحولات الكبرى الذي نعاصره جميعاً، من دون أن نكون شركاء في أسسه القهرية، كذلك لابدَّ من ضرورة التخلي عن النقد الفني لبنية النص، لكونه سوف يمثل عائقاً عند دراسة النصوص المنتقاة بشكل عشوائي من الصفحات الزرقاء، وخاصة أننا سنلاحظ منذ البداية أن الأكثرية الساحقة من النصوص لا تنتمي بفنيتها إلى عالم الشعر، لكن لا بدّ أن ننادي للمواليد بالأسماء التي اقترحها لهم ولاةُ أمرهم الشرعيون.. من هنا يبدأ العامل النفسي لكاتب النص بفضح استراتيجية ” النيوليبرالية” أولاً ، وثانياً بفضح ذاته، وهو يُطحن، طائعاً، بين فكي الرحى للعالم المعاصر..
تسعى “النيوليبرالية” إلى إبعاد البشرية كمجتمعات وأفراد، عن عالم السياسة، بمعنى؛ عن عالم الرأي الذي كان له الدور الأساس في تحديد مستقبل الأمم من سكان الأرض، لتجعلهم أداة طائعة لتقلباتها البنكية البوهيمية، والبديل المدروس هو التأكيد على تبني ألقاب فردية، لها في السابق نجومية كانت تجعل أصحابها من علية القوم، وإلّا لماذا يتسابق “الفيسبوكيون” على الحصول على لقب “شاعر” مع علم الكثير منهم بأنهم ليسوا أهلاً لحمل هذا اللقب، ولماذا يطلقون على نصوصهم المأزومة لغوياً، وبنيوياً، وفكرياً، وجمالياً، وانسانياً، اسم قصيدة ؟!!.
تحاول “النيوليبرالية” من خلال استراتيجيتها، تمويه الفوارق الطبقية الاجتماعية، الاقتصادية، العلمية، والإبداعية بين البشر، والشاشة الزرقاء هي الأجدر للقيام بهذه المهمة الرعناء، إذ إنه من خلال امتلاك كلٍّ منا لناصية القرار فوق صفحاتنا، نستطيع مخاطبة الآخر، الافتراضي أيضاً، بما نقترحه من ألقاب نستهوي حملها، والآخر مطالب بقبولها، وبهذه الفوضى يستطيع أسياد “النيوليبرالية” جعل الجميع شخصيات افتراضية، هزيلة، تحكمها دوافع نفسية سلعية، تمقت ذاتها الطبقية، ودوافعها الإنسانية، لتسير مطرقة الرأس في وريد “النيوليبرالية” التي لن تسعى إلّا للإعلاء من شأنها من خلال جعل الفرضيات الموبوءة والتباعد الاجتماعي حقيقة، سوف تنعكس على شكل نصوص تحكمها معاناة، أو عقد نفسية، وحوارات مقيتة، مع افتراضيين قد يكونون بعيدين علمياً واقتصادياً وإبداعياً عن همومنا، لكنها قادرة على لمِّ شمل الجميع تحت ضرورة شراء العبودية، والوهم، واللاجدوى بأثمانٍ باهظة نقتطعها دوماً من إنسانيتنا، ولكم فيما يجري في عالم الشعر المثل الأعظم، وعظّم الله أجرَ الجميع !!..