تسعى الولايات المتحدة لاستبدال الحرب الطويلة في أفغانستان بحرب هجينة شبيهة للحرب الموجهة ضد سورية، والتي دخلت عقدها الثاني، ما يسمح لواشنطن وقواتها الحليفة بالحفاظ على تواجدها في المنطقة بعد قرار الإدارة الأميركية الانسحاب من أفغانستان.
صحيفة ديلي تلغراف تحدثت عن خطة بريطانية لنشر فرقة من نخبة القوات الخاصة في أفغانستان، بحجة توفير التدريب للوحدات الأفغانية، والانتشار كمستشارين.
كما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز موافقة واشنطن بقاء الجنرال أوستين ميللر، القائد الأعلى للقوات الأميركية في أفغانستان حتى يتم استكمال انسحاب القوات الأميركية. وترتكز مهمة الجنرال ميللر بنقل المهمة العسكرية الأميركية لحرب مختلطة من نوع آخر. فتعمل وزارة الحرب الأميركية على مبدأ ما يسمى “قدرة تجاوز الأفق” من خلال مشاركة الطائرات الأميركية المتطورة الموجودة بالخليج العربي، وذلك لدعم العمليات العسكرية الأفغانية ضد طالبان الإرهابية.
وفي هذا السياق ومن خلال سعي واشنطن لتعزيز تواجدها في المنطقة بحجة “مكافحة الإرهاب”، دعت واشنطن وزيري خارجية أوزبكستان وطاجيكستان مؤخراً لواشنطن لإجراء مشاورات، وصياغة خطط احتياطية تسمح للولايات المتحدة بالقيام بأعمال اقتصادية ومالية متعددة.
وتسعى واشنطن لإعادة تمركز بعض القوات في أوزبكستان وطاجيكستان، وبالتالي وضع أصول الاستخبارات ضمن قواعد ومنشآت مناسبة، لتبقى متاحة فعلياً بالوقت الفعلي، والتدخل بالحرب ضد طالبان.
وكما حدث في سورية، ستقوم واشنطن بتجنيد فرق وعصابات محلية للقتال، من خلال عقود يتم توقيعها مع أمراء الحرب، وبمساعدة المخابرات المركزية، والذي يرتبط بنفوذ وتأثير لوبي مقاولي الحرب الأميركيين.
وترتكز الإستراتيجية الأميركية على تعزيز قدراتها وتحالفاتها مع المجموعات المرتبطة بها، وبالتالي الحفاظ على سلامة قواتها ومنشآتها، من دون أن تتولى أميركا أي مهام قتالية. فليس مستغرباً أن تدعي واشنطن أن وجودها في أفغانستان جاء بطلب من الحكومة الأفغانية.
وإذا اعتبرت الإستراتيجية الأميركية ناجحة، فمن الممكن انضمام دول حلف الأطلسي للمعركة، كما حدث في سورية والعراق. وذلك ضمن مجموعات وميليشيا عسكرية مسلحة.
فيبدو أن أنشطة مجموعة فاغنر في ليبيا وبعض الدول الإفريقية، تقدم نموذجاً ملهماً لوزارة الحرب الأميركية في تنفيذ عملياتها في أفغانستان.
بينما تغرق وسائل الإعلام الأميركية بالرؤى المروعة لانزلاق أفغانستان بحرب أهلية، تساعد واشنطن في تنفيذ مخططها.
وبالتالي، ولأسباب جيوسياسية، فإن الولايات المتحدة والحلف الأطلسي مصممان على البقاء في رقعة الشطرنج الأفغانية. بالرغم من وجود تحفظات جادة لدى كل من روسيا والصين وإيران وباكستان بوجود طويل الأمد للغرب الاستعماري في أفغانستان.
ومما لا شك فيه أن روسيا والصين تعارضان أي وجود عسكري أميركي في منطقة آسيا الوسطى، فقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: “تجري روسيا فعلياً مشاورات من خلال قنوات ثنائية، وداخل منظمة معاهدة الأمن الجماعي لحماية جيرانها في آسيا الوسطى من أي تهديد مباشر وخطير”.
فلا تجازف موسكو في مواجهات خطيرة ومستميتة. لكنها ستعزز قدرات الدفاع الجوي للقاعدة الروسية في طاجيكستان، بما في ذلك نشر أحدث أنظمة الصواريخ المحمولة المضادة للطائرات، إضافة لدعم منشآت في كل من طاجيكستان وقيرغيزستان وكازاخستان.
بدوره، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصالاً هاتفياً مع رئيس طاجيكستان إمام علي رحمانوف، وتعهد بتقديم كل الدعم الروسي لتعزيز القدرات الدفاعية الطاجيكية. ويبدو أن نجاح طالبان خلال الفترة الماضية في ضرب وتدمير القوات الأفغانية، وتحويل التوازن السياسي العسكري لصالحها سيكون عاملاً رئيسياً في شكل الأشياء القادمة. فقد أظهرت طالبان حذراً لمنع الجماعات الأفغانية الأخرى من الاتحاد خلف الرئيس أشرف غني، وخلق التآزر بين المسارات السياسية والعسكرية.
وتتجاهل واشنطن كعادتها الدور الكبير والمحوري الذي يمكن أن تلعبه كل من روسيا وإيران في إرساء الاستقرار وإنهاء حالة الحروب، وذلك بشكل مشابه للدور الذي حدث في سورية، بالرغم من اختلافات طبيعة المواجهات على الساحة الإقليمية.
وبالتالي، لا يوجد دولة إقليمية على الحدود مع أفغانستان ترغب باستمرار الحرب ومظاهر العنف في المنطقة، فهناك معارضة لأي تدخل عسكري أميركي آخر.
أما الطريقة الجبانة التي تهرب بها القوات الأميركية من قاعدة باغرام سوف يتم تناولها بعمق في البازار الأفغاني لفترة طويلة قادمة، وستصبح فولكلوراً.
فمازالت النيات الاستعمارية الغربية متجذرة بالطبيعة الأميركية المرتكزة على الحروب ونشر العنف، إضافة لتأجيج الصراعات الطائفية، وبالتالي تسهيل السيطرة والهيمنة، ونهب الثروات بغض النظر عن الحسابات والتحالفات الإقليمية والدولية.
عن غلوبال ريسيرش