ينتظر حي الشيخ ياسين في مركز محافظة دير الزور حراكاً خدمياً أوسع يُعيد له نبض الحياة لتشجيع عودة المزيد من العوائل التي مسّها ضرر التهجير والتنقل عقب دمار الإرهاب الذي طاله، عوائل تنتظرُ أن تعود ولو على هياكل منازل كانت يوماً عامرة بالحياة، ثلاثُ سنوات بعد التحرير من الإرهاب ولا تزال الخدمات دون المؤمل.
العودة رهن الخدمات
أصواتّ ضحكات أطفال وأحاديث نسوة تدلُ على أن عوائل من سكان الحي عادت وأنّ ثمة أملاً في أن يعود حي الشيخ ياسين – وإن بالتدريج – ليكون حاله كما كان سابقاً قُبيل هجمة الإرهاب، ذاك الحي الصاخب بالحياة كأحد أهم وأبرز أحياء دير الزور سكنياً وتجارياً.
مختار الحي لؤي الطحطوح أكد لـ«تشرين» عودة 32 عائلة، فيما 130 عائلة أخرى تهم بالعودة وإن توسعت دائرة تخديم الأهالي، فإنه بالإمكان عودة المزيد من العوائل.
وأضاف: نسبة الدمار التي خلفها الإرهاب كبيرة لكن هناك الكثير من المنازل تحتاج ترميماً وصيانة، وتوسع الخدمات يزيد أعداد العائدين إليه بلا شك في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي تضغط باتجاه المأوى كيفما كان.
الطحطوح لفت إلى حاجة الحي لخدمات عدة تبدأ بالكهرباء ولا تنتهي بإزالة ما تبقى من ردم ولاسيما ما بقي منه على الأرصفة، ودعم العائدين بسلل غذائية وغيرها من مساعدات من خارج تقديمات الهلال الأحمر العربي السوري، وهو ما تُقدمه الجمعيات الخيرية بالتنسيق مع مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل، ناهيك بإزالة الأبنية عالية الخطورة والمهددة بالسقوط، وقد زودنا مجلس المدينة بقائمة تتضمن أعداد المنازل الخطرة التي وصلت لقرابة 60 منزلاً.
وبيّن الطحطوح أن عودة الحياة للحي بجانبها البشري لابدّ أن يتواكب مع الخدمات، فالشيخ ياسين يُعد حياً تجارياً وسكنياً ينقسم لـ 9 حارات و 3 أزقة، كان يقطنه قرابة 100 ألف نسمة، فيه 1500 محل لمختلف أنواع الخدمات، إضافة لـ 100 عيادة لأطباء و 3 مشافٍ خاصة، بينها واحد فقط مدمر، كما يتواجد فيها 25 صيدلية، وفيه مقاهٍ مشهورة مثل (الجندول والناصر) والأهم معالمه التاريخية فهو حاضنة التكايا الدينيّة كتكية (الراوي) التي وصلت عمليات التأهيل فيها للمساتها الأخيرة، إضافةً لتكيتي (الشيخ عبدالله) وتكية (ويس) وهذه المعالم دمرها الإرهاب بفكره التكفيري الظلامي، فيما التكيّة (النقشبندية) تحتاج صيانة وترميمات، والأمر بالتأكيد في ملعب مديريتي الأوقاف والآثار، كما نُذكّر بأهمية تأهيل إحدى حديقتي الحي وساحة العيد الشهيرة على الأقل.
الكهرباء المشكلة
عبد الفتاح الحيجي – من أهالي الحي، أشار إلى أن المشكلة التي يواجهها العائدون هي غياب الكهرباء، فلا خط للتيار الكهربائي بشكل نظامي أو إصلاح للشبكة التي تعرضت للتخريب، ويقول: اضطررنا لمد خط على نفقتنا الشخصيّة في سبيل استجرار الكهرباء وهو حال العائلات التي عادت، مُشيراً إلى أنه وبرغم التقنين في التيار، فإن مده عبر الشبكة الرئيسة وإيصاله للمنازل المأهولة يبقى المطلب الرئيس للأهالي.
فيما بين المواطن أحمد حسون أن إنارة الشوارع الفرعيّة حاجة ملحة وقال: تم تركيب أجهزة للطاقة الشمسيّة في حي الحميدية المُجاور، فلماذا لا يحظى حينا بإنارة؟ الظلام دامس وهذا الأمر سهّل ممارسات اللصوص الذين لا يزالون يسرقون ما احتوته المنازل حتى المدمر منها، لذا نطلب من الجهات الشرطيّة قمع هؤلاء وإنهاء أفعال كهذه، عندما أغادر وعائلتي المنزل أبقى خائفاً من إمكانية سرقته، وحدث أن سرق هؤلاء تجهيزات وضعتها مؤسسة المياه، موضحاً أنه منذ عودته تقدم بطلب للمحافظة بخصوص إعادة التيار الكهربائي وهو مُسجل بتاريخ شهر نيسان من العام 2019 وما من حل.
وشكا الأهالي من تسربات للمياه أدت لغمر في المنازل الأرضيّة ولاسيما الأقبية فيها، وهذه المنازل وإن لم تكن مأهولة، فإن تسربات كهذه تُهددها حتماً وعدم وجود حلّ لها يعني المزيد من المخاطر.
لا نقل داخلياً
أثناء توجهنا لحي الشيخ ياسين أوقفنا عدة سيارات أجرة لإيصالنا إلى هناك دون جدوى، فالذهاب هناك يعني عودة السائق بلا راكب جديد، أجرة الوصول إلى هناك 1500 ليرة سورية، ولك أن تحسب كم يحتاج المواطن الذي لا يملك وسيلة نقل لقضاء حوائجه اليوميّة.
يقول عبد الفتاح الحيجي لـ«تشرين»: لا يمر خط للنقل الداخلي في الحي برغم إمكانية المرور من شارع التكايا وبالتالي تخديم القاطنين وتوفير الكثير عليهم خاصة عند التبضع من الأسواق، فالكثيرون يتبضعون عن مدة أسبوع للتقليل من ضغط المصروف، لكن الأمر بالنسبة للطعام صعب، لأن الحاجة لشرائه يومية، والمعاناة بالنسبة لطلبة المدارس أكبر كما تروي والدة إحدى الطالبات في المرحلة الإعدادية: تذهب ابنتي يومياً إلى مدرسة زكي الأرسوزي في حي القصور، والدها موزع بين عمله وحاجيات المنزل وإيصالها لمدرستها، لا نستطيع ركوب سيارة أجرة فليست لدينا القدرة مالياً على ذلك وإن فعلنا فيتوجب دفع 3 آلاف ليرة يومياً، والأمر ينطبق على بقية الطلبة من جيراننا القاطنين.
حراك وفق الإمكانات
تعمل الجهات الحكومية الخدميّة على التدخل في الأحياء المُحررة من الإرهاب وفق الإمكانات المُتاحة وزخم العودة للأهالي يجعل الإسراع بذلك فرضاً علينا كما أوضح في حديثه لـ”تشرين” رئيس مجلس مدينة دير الزور المهندس رائد منديل.
منديل أكد أن ما تطرق إليه أهالي حي الشيخ ياسين هو في حسابات العمل بالتنسيق مع وزارة الإدارة المحلية ودعمها المالي للإعمار، أو ما تُقدمه المنظمات الدوليّة: تدخلنا في الأحياء المحررة بدأ بعد التحرير بفتح الشوارع الرئيسة والفرعيّة وإزالة الأنقاض، تم ترحيل 10 آلاف م3 وسيتم ترحيل ماكميته 25 ألف م3 في تلك الأحياء ومن ضمنها الشيخ ياسين، وفي المنظور سيجري فتح خط النقل الداخلي للمرور هناك.
من جانبه، مدير التعاون الدولي في محافظة دير الزور إياد الدخيل أوضح أنه سيجري تأهيل 75 منزلاً وتجهيزها بالتمديدات الكهربائية والصحيّة وتزويدها بالأبواب والنوافذ، وذلك بالتعاون مع المنظمات الدوليّة، آملاً بالمزيد من التدخل في الحي وبقية الأحياء المُتضررة.
فيما بين مدير عام مؤسسة مياه دير الزور المهندس ربيع العلي أنه جرى تنفيذ خط لمياه الشرب في الحي وما سُجّل عليه من ملاحظات جارٍ تداركه مع المنظمة الممولة، لافتاً لما تتعرض له تجهيزات وضعتها المؤسسة هناك من سرقات أضرت بالعمل.
وعن إمكانية تغذية الحي بالتيار الكهربائي قال مدير شركة كهرباء دير الزور المهندس خالد لطفي: لا إمكانية للتغذية هناك، فالأمر مرتبط بتوفير محولات كهربائية وهي غير موجودة، الوضع لا يساعد حالياً والضغط كبير على الشبكة، لكن يمكن تفعيله حال تشغيل محطة العمران، ونحن كشركة نسعى لذلك ولكن المشكلة بالإمكانات.